صورة لأحمد زروقي

يقول المثل “لا حب إلا بعد عداوة”، وانطبق هذا المثل سابقا على رئيسي حزب النهضة وحزب قلب تونس، فقد سبقت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية حملة ضارية وحرب ضروس بين النهضة، التي اعتبرت قلب تونس حزب الفساد والمافيا الذي يستغل مشاعر الفقراء من خلال خطابات شعبوية للوصول إلى السلطة، وبين قلب تونس الذي اعتبر النهضة حزبا دينيا متطرفا كان ضالعا في الاغتيالات السياسية، وسببا في الإرهاب وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر.

أقسما أن لا تحالف

كان قلب تونس والنهضة  أعلنا مرارا وتكرارا قبل الانتخابات وبعدها أن لا التقاء بينهما، وبعد أن أقسم قلب تونس أنه لا مجال للتحالف مع الإخوان وداعمي الإرهاب، وأقسمت النهضة بكل المقدسات أن لا مجال للتحالف مع ممثل لوبيات الفساد وحزب المقرونة. وبعد تحريض وسب وشتم وحرب ملفات انتهت برئيس قلب تونس ومرشحه للانتخابات الرئاسية نبيل القروي إلى السجن، وبعد استقطاب غنم منه الحزبان عشرات المقاعد في البرلمان وتصدّرهما للمركز الأول والثاني في المجلس، بعد كل ذلك اكتشفت النهضة أن القروي شخص نزيه ونظيف وبعيد عن كل الشبهات، وأن حزبه ديمقراطي ولا علاقة له بالفساد والشعبوية. كما اكتشف القروي أن راشد الغنوشي ضمانة لتونس الديمقراطية، وهو شيخ جليل فوق كل الشبهات ولا ينقصه شيء لنيل لقب اكبر ديمقراطي في تونس غير ارتداء ربطة عنق حمراء.

وككل زواج، عرفت علاقة النهضة وقلب تونس نوعا من التوتر في بدايتها وأساسا مع حكومة الجملي، ولكن ككل زواج ناجح أيضا سرعان ما يزول الخلاف ويسود الحب. حيث دافعت النهضة بكل ما أوتيت من قوّة على توسيع حزام الفخفاخ من أجل إدخال قلب تونس للحكم، واستماتت في الدفاع عنه، وأمام تعنت الفخفاخ تمزّق حزامه وسقطت حكومته، واشتد لهيب الحب بين القروي وحزبه، والغنوشي وحركته. ولأن الحب أفعال لا أقوال أقسم القروي بأغلظ الأيمان أن الشيخ لن يسقط وأن سحب الثقة لن يمر، واخترع لذلك التصويت بلا ونعم في نفس الوقت.

الكرامة تستلهم الحب من النهضة

وتحولت قصة الحب بين القروي والغنوشي إلى أسطورة يستلهم منها الأجيال، وفعلا نسج على منوالها رئيسا كتلة قلب تونس وائتلاف الكرامة قصة حب مماثلة بعد عداوة مماثلة. وبفضل هذا الحب لم تعد كتلة الكرامة “سليلة روابط حماية الثورة” و “براشوك حركة النهضة ويمين متطرف”، وبالمثل لم تعد كتلة قلب تونس “ممثلة الفساد في البرلمان والمتاجرين بآلام الفقراء”. لقد ساد أخيرا السلام والحب بين الطرفين وتأجّل الخوض في كل ما يفرق من القضايا مثل الثروات والفقر وغيرها، فلا الملح ولا البترول يمكنها تعكير صفو هذه العلاقة. ولتبرير هذه العلاقة، قال رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف مدافعا :

ولكن لماذا التعجب من التقاء ائتلاف الكرامة وقلب تونس؟ الحقيقة، وبعيدا عن الخطابات الشعبوية المعادية التي نشأت بين الطرفين قبل الانتخابات من أجل كسب أصوات الناخبين العاطفيين في هذا الاتجاه أو ذاك، هي أن لا اختلاف جوهري بين قلب تونس وائتلاف الكرامة. على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يتفق الطرفان على النموذج الليبرالي المتطرف الذي يدعو إلى فتح  كل القطاعات الحيوية وحتى الإستراتيجية مثل الصحة والتعليم والنقل أمام الخوصصة، كما ينكر الطرفان دور الدولة الاجتماعي وخاصة فيما يتعلق بصندوق التعويض ودعم الصناديق الاجتماعية وحماية الفئات الاجتماعية الهشة (التي تمثل الخزان الانتخابي للطرفين)، كما يتفقان على ضرورة التسريع في تخصيص وبيع المؤسسات العمومية بدعوى أنها تعاني صعوبات مثل الخطوط التونسية وشركة الكهرباء والغاز وغيرها من المؤسسات، وعدم الإنفاق لإصلاحها، ويعتبران أن الحل لازمة القطاع العام هو فتحه أمام الاستثمار الأجنبي (بما في ذلك قطاع الإعلام من خلال المبادرة التشريعية المشتركة)، ولا يجد كل من ائتلاف الكرامة وقلب تونس أي حرج في خضوع البلاد بالكامل لتوصيات صندوق النقد الدولي و”الإصلاحات الموجعة” التي يطالب بها.

يعاديان حرّية الاعلام

أما في ما يتعلق بالحريات العامة والفردية فإن قلب تونس وائتلاف الكرامة يتفقان في معاداة حرية الإعلام وقدّما مشروعا لتنقيح المرسوم 116 المتعلق بحرية الاتصال السمعي البصري وهو مشروع يهدف إلى حماية القنوات التلفزية والإذاعية الخارجة عن القانون على غرار القناتين التلفزيتين نسمة والزيتونة وإذاعة القران الكريم، كما يهدف هذا المشروع إلى فتح مجال الاستثمار لبعث قنوات لمستثمرين أجانب ايطاليين وأتراك وقطريين (القانون الحالي لا يسمح بذلك). كما يتفق الطرفان على رفض حقوق النساء على غرار المساواة التامة بين  النساء والرجال، وأساسا المساواة في الارث. إذا وبمعيار البرامج الاقتصادية والاجتماعية وبمقياس المواقف من الحقوق والحريات، لا اختلاف جوهري بين قلب تونس وائتلاف الكرامة، كما أنه لا اختلاف جوهري بين قلب تونس وحركة النهضة. وهو ما يجعل هذا التحالف أمرا طبيعيا وعقلانيا أقيم على المصالح والمواقف بعيدا عن الانطباعات العاطفية والمنافسة الانتخابية. كل ذلك يجعل من زواج ائتلاف الكرامة وقلب تونس زواجا متوقعا.

قصة الحب هذه قد تلهم أطرافا أخرى في المستقبل القريب أو البعيد للنسج على منوالها. فمثلا على الرغم من العداوة البارزة بين حركة النهضة والدستوري الحر، إلا أن أطروحات الطرفين الاقتصادية والاجتماعية لا تتناقض بل تتقاطع كثيرا، ونفس الشيء بالنسبة للمواقف من منظومة الحقوق والحريات. وبالمنطق العقلاني البراغماتي من غير المستغرب يوما أن ينشب حبّ عاصف بين عبير موسي ودستوريها الحر وراشد الغنوشي وحركته، فلا مشكلة لدى الشيخ من التعدد، ولا حب إلا بعد عداوة.