لم يكن يبدو عليها الخوف أو الفزع وهي تحدثنا، كانت تبدو متماسكة وفخورة بما قام به ابنها بالرغم من مرور 12 يوما على إيقافه في سجن المرناقية دون محاكمة، وهذه أول مرة يعرض فيها على القضاء بالمحكمة الابتدائية ببن عروس، يوم الخميس 28 جانفي 2021.
أطالب الدولة بصياغة “كود” للتفكير
لم يكن أحمد غرام الوحيد في هذه المحنة فقد اعتقل معه خمسة طلبة آخرين بتهم تتعلق كذلك بتدوينات مساندة للاحتجاجات الأخيرة، إضافة للمئات من الشباب والأطفال القصّر، منهم من زج به في سجن الإيقاف ومنهم من تم ارساله للإصلاحية. لم يعرض أغلبهم على القضاء لحدود تاريخ كتابة هذا المقال، بحسب ما أفادنا به رئيس الفرع الجهوي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بجهة بن عروس، عز الدين الدايخ.
“إن كانت تدوينة تتحدث عن ازدواجية تطبيق العدالة بين الفقراء والأغنياء أدخلت ابني للسجن،فليضعوا كل الناس، سياسيين ونقابيين ومثقفين في السجن”. بهذه المقارنة تضع أم أحمد المعايير التي تعتمدها النيابة العمومية في إحالة المتهمين في قضايا الرأي محل تساؤل وتشكيك بما أنها لا تطبق بنفس الطريقة على الجميع.
تقول بتحسّر “أنا أخجل من وجودي في بلد يحاكم شابا مثل أحمد من أجل تدوينة فقط لمعاقبته، وكأنهم يقولون: يا أحمد بطّل ما عادش تفكر أو عندما تفكر حسّن من تفكيرك”. وتابعت كلامها بنبرة ساخرة “سأطالبهم بكود تفكير مثل كود الطريق الذي تضعه الدولة، باش نعرفو متى تبدأ الخروقات وكيفاش نفكرو”. لتختم بالقول “أحمد تم إيقافه يوم 17 جانفي وحاليا 28 جانفي، هذه أول جلسة، أضعف الايمان يقوم به القضاء هو إطلاق سراح فوري لأحمد، وأطالب الدولة بالاعتذار لأولادنا”.
انتهاكات بالجملة
الجو خارج المحكمة كان محتقنا، طلبة وحقوقيين ونشطاء مجتمع مدني تحدو الطقس الرمادي البارد وقدموا لمساندة أحمد غرام. محامون وأعضاء من الرابطة كانوا حاضرين بقوة داخل أروقة المحكمة، جميعهم يعتبرون أن الإيقافات التي حصلت على خلفية الاحتجاجات الليلية كارثة حقوقية لم تشهدها البلاد منذ عشر سنوات.
“لم أكن أتصور أنني سأعود لأترافع في قضايا حقوقية من هذا النوع، اعتقدت أننا قمنا بمهمتنا ولم يعد هنالك مجال لهذه الانتهاكات. ولكن ها نحن نعود لنقطة البداية”. هذا ما عبرت لنا عنه سعيدة قراش، المحامية والمستشارة لدى رئاسة الجمهورية في عهدة قائد السبسي.
من جانبه، اعتبر رئيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الانسان ببن عروس، عز الدين الدايخ، الذي كان حاضرا في محاكمة الطلبة بأن اقتحام منزل مواطن من أجل تدوينة على فايسبوك وافتكاك هاتفه وحاسوبه بدون اذن قضائي أمور لم نعهدها إلا في عهد الديكتاتورية وفيه تجاوز خطير للقانون”، مضيفا بأن سرعة تحضير المحاضر وتلفيق التهم فيهما خرق واضح لإجراءات التقاضي، بل هو أمرغريب وسابقة خطيرة.
وكشف عضو رابطة حقوق الانسان عن وجود مجموعة من المدونين والطلبة والتلاميذ في سجن المرناقية وقعت الوشاية بأغلبهم بسبب تدوينات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، والبقية تهم تتعلق بخروجهم للاحتجاج والتظاهر”، مشيرا إلى أنه “كان بإمكان القوات الأمنية أن تميّز بين من خرج للتظاهر ومن خرجوا للسرقة والتخريب”.
ورأت سعيدة قراش أن هنالك من النصوص التي أحالو بها هؤلاء الشباب الموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة ما تم تنقيحه ولم يعد معمولا به،”وهي نصوص وضعت أصلا بأمر عليّ من الباي في سنة 1953 قبل الاستقلال وتتعلق بوضع أجسام صلبة في الطرقات حيث أصبحت تصنف كمخالفة ولم تعد تصنف كجنحة”.
وأوضحت قراش أنه “في قضية الطالب أحمد غرام مثلا، نجد أن الإحالة كانت خاطئة منذ البداية، وعوض أن يحال على المرسوم 115 لسنة 2011 الذي يتعلق بالفضاء الالكتروني والفايسبوك تمت احالته على معنى المادة 117 و121”. “ولذلك فإن النيابة أخطأت خطأ غير مقبول بوضعها للناس في السجن ظلما بمقتضى هذه النصوص”، على حد تعبيرها.
وأشارت محدثتنا أن النيابة العمومية قامت بالإحالة على القضاء بتهم تتعلق بالاعتداء على موظف عمومي أثناء أداء وظيفته والعصيان المدني، في حين يبدو أنها لم تطلع على ملف القضية ولم تقرأه جيدا لأن الطالب أحيل من أجل تدوينة، وهذا فيه استخفاف بمستقبل الشباب. وبالتالي خلق جريمة غير موجودة.
وقالت “يجب على الموظف أن يكون مسؤولا عندما يتعامل مع النص القانوني ولا يسمح لنفسه بوضع الناس في السجن عندما لا يكون هنالك ربط بين النص القانوني والوقائع، وهذا فيه استخفاف بحرية الناس وبدورها كنيابة عمومية”.
“ارتحنا من وصاية السلطة التنفيذية على القضاء لنجد أنفسنا في مواجهة وصاية عبثية لناس تقوم بتكديس جرائم لا رابط فيها بين الوقائع والنص الزجري الذي يريدون تطبيقه عليها، والذي بمقتضاه يقع إيقاف الناس بهذه الطريقة”.
في نهاية الأمر، حكمت محكمة بن عروس بعدم سماع الدعوى في قضية أحمد غرام والإفراج عن أربعة طلبة ومدونين من ضمن خمسة كانوا موقوفين بسبب تدوينات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.
تعذيب واذلال الموقوفين
نشرت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب مؤخرا بلاغا تحدثت فيه عن حصول عدّة انتهاكات للموقوفين في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البلاد منذ 14 من جانفي عند قيامها بزيارات لأماكن احتجازهم. وطلبت الهيئة من السّلط العموميّة المعنيّة فتح التحقيقات الإداريّة والقضائيّة ضدّ كلّ من يشتبه في ممارستهم اعتداءات بالعنف على المحتفظ بهم كسوء معاملة الأطفال وعدم احترام الإجراءات الخاصّة بهم، والقطع مع ظواهر السبّ والشتم والإهانة والإفلات من العقاب، مع المنع المطلق لاستخدام أيّ أدوات غير نظاميّة )عصيّ بايزبول، خراطيم بلاستيكيّة، مغلّفات أسلاك كهربائيّة…) وغير المدرجة رسميّا ضمن تجهيزات العمل المسلّمة للموظفين المكلّفين بإنفاذ القانون.
في نفس السياق، قال رئيس فرع رابطة حقوق الانسان ببن عروس، أنه على الرغم من الاتفاقية الممضاة بين الرابطة ووزارة الداخلية ووزارة العدل “إلا أننا رصدنا الكثير من الانتهاكات في مركز الإيقاف من قبيل الاعتداء بالعنف وممارسة سلوك مشين جدا والمس بكرامة الموقوفين. من ذلك مثلا القاء ولاعة السجائر على الأرض وإجبارهم على حملها بأفواهم من أجل اشعال السيجارة، وهنالك من رفسوا لهم أيديهم ولا تزال أثار التعذيب بارزة عليهم، إضافة لممارسات أخرى تخل بالكرامة الجسدية”. وأضاف “هنالك في سجن مرناق موقوفين كسروا لهم أسنانهم، وهنالك آثار للضرب لا تزال بارزة على وجوههم وأيديهم وركبهم”.
iThere are no comments
Add yours