في 4 جوان الماضي، اعترف تقرير الطب الشرعي في مسار قضيّة عبد السلام زيان البالغ من العمر ثلاثين عاما أنّ الدولة قتلت الشابّ المصاب بمرض السكري يوم 3 مارس 2021، بعد أن امتنع أعوان الأمن في مركز الشيحية التابع لصفاقس الشمالية عن السماح له بالحصول على جرعة الأنسولين بعد إيقافه بتهمة هضم جانب موظف عمومي وخرق حظر التجول آخر فيفري الماضي.
في 25سبتمبر الماضي، تحصلت دلندة قصارة، والدة عبد السلام زيان على نسخة من تقرير الطبّ الشرعي المختوم بتاريخ 4 جوان 2021، وكتبت على صفحتها في فايسبوك
تقولولي وين كنت شبيك غبت، كنت نجري ونلهث على حق ولدي اللي هو تقرير الطب الشرعي النهائي .. بعد مافددوني ولعبوا على أعصابي وعلى نسياني في بالهم ننسى وما تهنيت كان ماخذيتو .
وتحصلت نواة على نسخة من التقرير الذي يسرد بالتفصيل تفاصيل حادثة تسبب الدولة في وفاة عبد السلام زيان. ويقول التقرير:
أثناء فترة الاحتفاظ اشتكى الهالك من أوجاع بمعدته وتقيؤ في العديد من المناسبات استوجبت حالته نقله من طرف دورية تابعة لمركز الأمن الوطني بالشيحية إلى قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة في حدود الساعة الواحدة وعشر دقائق من يوم 01 مارس 2021. خضع الهالك لمعاينة طبية من طرف الدكتور أشرف الخراط بقسم الاستعجالي، استبعد على إثرها وجود حالة جراحية استعجالية ووصف له حقنة تغليف معدة تم حقنها في الإبان”، ويضيف التقرير “كما وصف له إجراء تحاليل (منها نسبة السكر ي في الدم) إلا أن الأعوان غادروا المستشفى بالهالك دون إجراء كل التحاليل ودون إتمام العيادة الطبية وأعادوا الهالك إلى غرفة الاحتفاظ في حدود الساعة الواحدة وعشرين دقيقة.
تقرير الطبّ الشرعي يورّط عناصر الأمن
وضعت والدة عبد السلام زيان لائحة بثمانية أطراف تعتقد أنهم تسببوا في قتل ابنها، إمّا عن طريق حرمانه من جرعة الأنسولين التي تستوجب حالته حقنها ثلاث مرات في اليوم على الأقل، أو بسبب الإهمال المُتعمّد ممن تغافلوا عن حالته. وتقول في تصريح لنواة
بعد إيقاف ابني عبد السلام وأخيه وائل يوم 28 فيفري الماضي، ذهب أخي علي إلى مركز الأمن الوطني بالشيحية من أجل إيصال حقنة الأنسولين لابني عبد السلام. لكن أحد الأعوان طرده وكسر بطاقة تعريفه وقال له حرفيا اذهب قبل أن اعتقلك أنت أيضا. ولم ييأس أخي وكنت واعية بخطورة وضع ابني لأنه لم يأخذ جرعاته اللازمة من الأنسولين. فأعاد أخي الكرة أربع مرات، لكنه لم ينجح في إيصال الدواء لابني، والآن بعد صدور تقرير الطب الشرعي، أريد حقي من الأمنيين الذين أوقفوا ابني يوم 28 فيفري 2021 بتهمة خرق حظر التجول، ومن أعوان مركز الأمن بصفاقس الشمالية الذين رفضوا تسلم حقنة الأنسولين، ومن القاضي الذي أودعه السجن دون قراءة محضر الإيقاف الّذي ذكر أن ابني يعاني من السكري ودون أن يكلف نفسه عناء سؤاله في المحكمة. أريد حقي وحق ابني من العونين اللّذين نقلاه من مركز الإيقاف بباب بحر صفاقس إلى المستشفى، وأعاداه إلى مركز الإيقاف دون أن يلتزما بطلب الطبيب إجراء تحاليل وأُحمّل المسؤولية للسجن المدني بصفاقس الذي قصر في حق ابني.
أبرز تقرير الطب الشرعي نتائج تشريح جثة عبد السلام زيان يوم 4 مارس 2021، والذي خلص إلى “وجود وذمة واحتقان بالرئتين واحتقان والتزام بالدماغ ووجود نسبة مرتفعة من السكر تقدر بـ40 مل بمحتة السائل الزجاجي للعينين”. وأبرزت نتائج التحاليل المجهرية للعينات المأخوذة من جثة الهالك “احتقانا بكامل أعضاء الجسم ووذمة بالرئتين وتشحما بالكبد وبداية اعتلال مزمن بالكليتين من جراء مرض السكري”، كما أثبتت نتائج التحاليل السُّمية عدم وجود حالة تسمم.
وحسب التقرير فإنّ الضحيّة “مصاب بمرض السكري نوع 1 وهو نوع تكون فيه المعثكلة في عجز شبه تام عن القيام بوظيفتها وتصبح حياة المصاب به مرتبطة بحقن الأنسولين بالكميات اللازمة”. وينجرّ عن مرض السكري مضاعفات “من الممكن أن تؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم إسعاف المريض استعجاليا بحقنة الأنسولين” حسب التقرير ذاته.
تفاصيل الإيقاف وشهادة عائلة الضحيّة
تصف والدة عبد السلام زيان معاناة ابنها خلال الأيام التي لم يتحصل فيها على الأنسولين استنادا إلى شهادة ابنها وائل الذي تمّ إيقافه صحبة شقيقه بتهمة خرق حظر التجول والتي أضيفت لها تهمة هضم جانب موظف عمومي. وتقول الأمّ “تعكرت حالة ابني إلى درجة أنه لم يستطع المشي على قدميه عند إخراجه من مركز الأمن إلى المحكمة. وفي غرفة الإيقاف بالمحكمة الابتدائية بصفاقس، تقيأ كثيرا ولم يتمكّن من الحصول على جرعة ماء إلا بعد وقت طويل. وحين طلبوا منه نزع ملابسه بعد تحويله إلى السجن المدني بصفاقس، لم يستطع الوقوف واستند إلى أخيه لكن الأعوان نهروه. وحين طلب منهم وائل علبة “ياغرت” حتى يتمكن أخوه من الوقوف رد عليه عون السجن هناك “مناش في عطرية”. خاف وائل وحاول شد أزر أخيه وطمأنه أنه سيتحصل على بعض الحليب في فطور الصباح، وتمكّن من تحصيل بعض المرطبات قدمها لهم موقوفون هناك وأكل منها عبد السلام بضع فتات لأنه لم يستطع مضغها”.
يوم الأربعاء 2 مارس 2021، توجه وائل في الصباح الباكر ليغسل وجهه بعد أن توسل أخاه عبد السلام من أجل بذل جهد للوقوف خوفا من بطش الأعوان، ولكن عند عودته من الحمام اعترضه أحد الموقوفين وقال له “البركة فيك خوك توفى”.
انتابت نوبة بكاء الأم دلندة قصارة وهي تسترجع شهادة ابنها وائل عن معاناة أخيه وتقول لـ”نواة”: “ابني وائل لا يستطيع النوم. ليس هناك مجال للشك أن الدولة التونسية قتلت عبد السلام زيان ولا يمكن أن تتملص وزارة الداخلية ووزارة العدل والمستشفى الجامعي بصفاقس من المسؤولية التي أكّدتها نتائج تقرير الطب الشرعي، حيث جاء فيه أنه “بالرغم من تحصله (أي الضحيّة) على حقنة أنسولين وحيدة بالسجن المدني (حقنة من مجمل سبع حقن مفروضة أثناء فترة الاحتفاظ وهي غير كافية بتاتا لمداواته وتعديل نسبة السكر المرتفعة وما ينجر عنها من اختلال في النظام البيولوجي للجسم)، إلاّ أنّ حالة عبد السلام زيّان تدهورت وفارق الحياة أثناء نقله إلى المستشفى.
كان على أعوان الأمن وفق ما خلُص إليه التقرير إبقاء الضحيّة بقسم الاستعجالي وإجراء جميع التحاليل المطلوبة وإطلاع الطبيب الذي طلبها على نتائجها للتعرف على نسبة السكر في الدم، والتأكّد من وجود مضاعفات من عدمه، وعدم المغادرة إلا بإذن من الطبيب. وحسب تشريح الجثة ونتائج التحاليل المجهرية والسُّمّية، فإنّ الوفاة ناجمة عن مضاعفات حادة لمرض السكري من جراء ارتفاع حاد وهام جدا لنسبة السكر في الدم، وهي نتيجة حتمية لعدم حقن الجرعات الكافية التي يتطلّبها مريض السكّرٍي.
مارست عائلة الضحيّة ضغطا قبل صدور تقرير الطب الشرعي من أجل محاسبة المتسببين في وفاة ابنها. وتؤكّد والدة الضحيّة أنّ تشبثها بإثبات مسؤولية الدولة في وفاة ابنها كان سببا في عدم غلق الملفّ وإرجاع سبب الوفاة إلى الإصابة بكورونا، وهي النتيجة التي أرادوا التّرويج لها لولا يقظة العائلة. وتضيف: “أرادوا تحميل الطبيب كل المسؤولية لكن التقرير أثبت بما لا يدع مجالا للشك مسؤولية البقية”.
iThere are no comments
Add yours