تستحق الثورات المضادة في منطقتنا العربية التأمل، ولو في ذكرى الثورة. كيف تتلون وتأخذ أحيانا مظاهر “الثورة” وتستعير رمزيتها؟
القمع والتعذيب في تونس: هل انتهت فسحة الثورة؟
لم يعد العالم ينظر إلى تونس باعتبارها قصة النجاح في ما سمّي بالربيع العربي. ومنذ الانتخابات الأخيرة، التي جرت في نهاية 2019، كانت أخبار الأزمات السياسية المتواترة والعراك والمشاحنات في مجلس نواب الشعب، هي الطاغية على صورة تونس لدى العالم الخارجي. ومع تعمّق الأزمة الصحية بسبب وباء كوفيد 19 وما انجر عنها من انهيار للمؤشرات الاقتصادية وتصاعد التوترات الإجتماعية، تحوّلت أخبار البلاد إلى كابوس حقيقي لكل من آمن بثورة 2011 وقدرة التونسيين على حمل العرب إلى النادي الديمقراطي.
نحن وانتخابات 2019، لنحدّد رؤيتنا و خصومنا
ما نستطيعه، وما يتعيّن علينا اليوم الاضطلاع به لوقف هذا الانحدار، وهذا لا يزال ممكنا، هو الحفاظ ضرورة على طاقتنا كسلطة مضادة كامنة ومنغرسة في المجتمع المدني والتحتي وكذلك العمل من أجل التّشكل كتعبيرة سياسيّة برلمانية ومنتخبة تبني فضاءات التّصادي بين مجتمع الثورة ومجتمع المقاومة الذي يراد طمسه من جهة، والمؤسسات المنتخبة من جهة أخرى. فتفكك مثل هذه العلاقة وضعف التمفصل بين جسم المجتمع المحتج والرافض والحركي والجسم الانتخابي المفترض سهّل تشكل الثورة المضادة ووضعنا في المأزق التاريخي الحالي.
نواة في دقيقة: 8 سنوات بعد الثورة، رجال بن علي على كل الموائد
بعد أن اختفت الوجوه التّي ساهمت في صناعة حقبة الرئيس الاسبق زين العابدين بن عليّ وتصدّرت المشهد الإعلاميّ والسياسيّ في عهده، عقب 14 جانفي 2011، عادت تلك الأسماء لتكون مرّة أخرى صانعة للمرحلة الجديدة وعلى رأس أجهزة الدولة التنفيذيّة. هؤلاء الذّين استماتوا في الدفاع عن بن وسياساته لم يجدوا حرجا بعد هروب هذا الأخير في عرض خدماتهم على الحكّام الجدد والاقتيات من موائدهم.
الباجي قائد السبسي ليس رئيسا لكل التونسيين
تزامنا مع غرق البلاد في أزماتها السياسية التي لم تنته منذ نحو 7سنوات، اختار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الخروج عن المألوف مثلما هي العادة، بوَصف خصمه السياسي حمة الهمامي بـ”الفاسق”، في وقت انتظر منه ملايين التونسيين الحديث بصراحة عن خطورة الوضع الذي تمرّ به تونس في الفترة الراهنة.
شراء السياسة ، تحشيد الجماهير و بيع الشعب
لا يمكن فهم السياسة بعد الثورة في ثلاثية الدولة و الحزب و الشعب إلا من خلال قولة كلود ليفي شتراوس “لا شيئ يشبه الأسطورة أكثر من الآيديولوجيا السياسية المعاصرة “. لم تفهم السياسة في تونس نظرا لافتقار أو لنقل الإفقار الذي تعانيه المدونة السياسية على أنها صراع وفق معايير “مدنية” و سلمية في علاقة بالخصوم و السلطة، و لكنها فهمت من منظور الإستدعاء المشحون للعناصر الأسطورية المكونة لوعي النخبة الحاكمة على أساس أنها ممارسة العنف الجماهيري ضد الخصوم.
قيادات في التجمع ومستشارو بن علي يناضلون ضد ”الاضطهاد السياسي“
على نحو يشبه اللجان الحقوقية التي دأبت على تشكيلها المعارضة التونسية المحظورة زمن النظام السابق، أعلنت مؤخرا قيادات سابقة في حزب التجمع المنحل وعدد من الوجوه السياسية الفاعلة في نظام بن علي عن تأسيس لجنة للدفاع عن الوزراء والمدراء السابقين المتورطين في قضايا فساد مالي وإداري.
محمد البوعزيزي: الهامشي المَطرود من الذاكرة
مع حلول شهر ديسمبر من سنة 2010، كان نظام بن علي قد أمضى 23 سنة في الحكم. وفي الوقت الذي كانت فيه العائلة الحاكمة تتهيأ للاحتفال بعِيد نهاية السنة، كان هناك شاب منسي في مدينة سيدي بوزيد يقاوم حملة دورية تشنها الشرطة البلدية على الباعة المتجولين. دارت عجلات عربة البائع محمد البوعزيزي في اتجاه مستودع الحجز، ودارت معها عجلات التاريخ في اتجاه هدم بيوت السلطة.
الإستنجاد ببن علي: محاكمة رمزية لخيار الانتفاضة الشعبية
التقويض الرمزي لمنظومة الاستبداد من خلال الإطاحة بالرئيس بن علي تحت هتاف الجماهير الثائرة، التي افتكت الفضاء العام بعد مصادرته لعقود، ساهم في تشكيل معقولية جديدة ذات دلالات حالمة. ولكن مسار الانتكاس أسقط الكثير من الأحلام والبشائر في منتصف الطريق. وتجري اليوم دعاية منظمة تروّج لعدمية خيار الانتفاضة، بالاستناد إلى فشل منظومة ما بعد 14 جانفي في تغيير الأوضاع، ومن خلال إجراء مقارنات زائفة بين الوضع الحالي والرّفاهية المزعومة التي كانت سائدة أيام الدكتاتورية.
فِي إِسْتِبْدَاِدِ اٌل”هُمْ“
تتحوّل وسائل الإعلام إلى مخابر سريّة و كواليس تحضّر داخلها كلّ السيناريوهات الممكنة التي تخوّل لأصحاب السلطة العودة لتصدّر المشهد من جديد و هي مهمّة ناجحة لما نشهده من غياب ردّة فعل جدية إثر تتالي ظهور رموز النّظام في مختلف البرامج : برهان بسيّس في برنامج يومي على قناة نسمة، محمّد الغرياني في برنامج لمن يجرؤ فقط و أخيرًا سليم شيبوب في برنامج ضيف التاسعة على قناة التّاسعة.
ما العمل؟ ما البديل؟ سؤال مشروع أم سؤال مغالط؟
اعترف بأني أخوض غمار مغامرة شاقة بطرح سؤال نظري ثقيل وصعب مثل سؤال البدائل. لا ادعي هنا إمتلاكي لوصفة سحرية أو دليل عملي جاهز يجيب عن السؤال الأهم الذي سيخرجنا من الحالة المتردية التي وصلت لها البلاد بقدر ما يروم مقالي الدفع بإتجاه تعميق السؤال حول هذه القضية التي أصبحت تشغلني. اعتبر المقال مجرد محاولة لإثارة نقاش جماعي حول الموضوع.
حوار مع جلبير الأشقر: إنتكاسة الإنتفاضات العربية والإستثناء التونسي؟
جلبير الاشقر، أستاذ في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن. من مؤلفاته “صدام الهمجيات”(2002) و “الشعب يريد”(2013) و آخرها “إنتكاسة الإنتفاضة العربية، اعراض مرضية” (2016). في هذا الحوار المصور يقدّم الكاتب والباحث البناني قراءة في أسباب إنتكاسة الإنتفاضات العربية ومدى إعتبار المثال التونسي إستثناء.
تونس : عن الصراع داخل الحزب الحاكم و تداعياته
حين تجري سُيُول الثّورات في عروق الأوطان و أوصالها فإنّها تُزيح من أمامها الأسباب التي أدّت إلى إندلاعها، و تقتلع كل الشّوائب التي تعرقل حركة التّقدّم. لكن تونس اليوم تغرق يومًا بعد يوم في مستنقع لا نجاة منه إلّا بثورة حقيقية تُحدث التّغيير الذي من أجله إنتفض أهالي محافظة سيدي بوزيد ذات شتاء من سنة
الولاة الجدد ومعارك تعزيز النفوذ
صبيحة يوم الثلاثاء الفارط، 25 أوت 2015، انتظم في مقر الرئاسة بقرطاج موكب أداء اليمين أمام رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي من قبل الولاة الجدد بعد ثلاثة أيّام من إعلان رئاسة الحكومة ووزارة الداخليّة عن التحويرات التي تمّ اجراءها على هذا السلك. وقد شملت التعيينات 11 واليا في حين تمّ نقل ثلاثة آخرين من ولاية إلى أخرى. ردود الفعل حول الأسماء الجديدة بدت متباينة بين القبول على مضض وتسجيل بعض الاحترازات على غرار حركة النهضة وآفاق تونس، وبين حراك افتراضيّ في مواقع التواصل الاجتماعيّ بالخصوص التي رأت في التعيينات الجديدة عودة من الباب الكبير لحزب التجمّع المنحلّ برجالات ما يمكن تسميته “الصف الثاني”.
راهن الصراع الطبقي في تونس من المأسسة إلى التمرد
لقد تبين الثوار بتجربتهم الخاصة مدى أنانية وجشع الطبقات المترفة و الوسطى ومؤسساتها السياسية والنقابية والثقافية وعجز تلك الطبقات على إقامة الحد الأدنى من الإقتصاد التضامني لنصرة من دمرتهم آليات النهب والتفقير و التجويع ويطلب منهم فوق ذلك أن يكونوا دروعا بشرية لحماية أصحاب الثروات الفاحشة من “الإرهاب”. إن هؤلاء الثوار يدركون اليوم أيضا خداع الديماغوجيا “الوطنية” التي تتشدق بها أطياف الطبقة السياسية. فما معنى الإنتماء إلى وطن تقوم فيه ثورة إجتماعية من أجل رفع المظالم والتأجيل باستحقاقات لم تعد تحتمل الإنتظار
القصبة 1و2: عودة إلى أسباب انتكاسة المسار الثوري
مهما اختلفت التسميات بين من يعتبرها “ثورة” أو من يرى فيها مجرّد “انتقال سياسيّ”، سيظلّ هذا الحدث عالقا في الأذهان كأحد أبرز المحطّات التاريخيّة التي عرفتها البلاد خلال العقود الأخيرة. هذا التحوّل السياسيّ وتسارع الإحداث الذي تلاه أسقط من الذاكرة الجماعيّة عديد التساؤلات حول كواليس ما حدث خلال الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، بذريعة واجب التحفّظ لمن كانوا في السلطة أيّامها. اليوم، وبعد 4 سنوات على هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن عليّ، سنحاول العودة إلى واحدة من أكبر عمليّات الاحتجاج الجماهيريّ، القصبة 1 والقصبة 2 التّي استطاعت عبر احتلال ساحة القصبة الإطاحة بأوّل حكومة انتقاليّة بعد بن عليّ وغيّرت الكثير ممّا سُطّر لتاريخ الشعب التونسيّ.
إلى أن تتحقّق هذه المطالب، فليسقط الرئيس القادم
لا تنجح الثورات إلاّ بعد استكمال خيبات الأمل كلّها، هكذا قال الشاعر الفلسطينيّ مريد البرغوثي و بهذا المنطق يجب أن يفكّر كلّ من آمن بإمكانيّة التغيير الجذريّ. ثورة التونسيّين ذات شتاء خذلتها الحسابات السياسيّة الضيّقة ومفاهمات الفنادق والغرف المغلقة، والمتاجرة بشعارات الثورة وشهداءها والمؤمنين بها. المطالب التي رُفعت يوم 17 ديسمبر في سيدي بوزيد وقبلها في الرديّف، هي البوصلة الحقيقيّة للتغيير المنشود، فلا ديمقراطيّة التخيير ولا الإستقرار المبطّن بالخوف والترهيب ولا الدكاكين الحزبيّة ولا إقتصاد نصير فيه أجراء على أرضنا كان مطمح من صرخ وجُرح واستشهد ذات شتاء.
رُفعت الثورة
في بلادي، سؤال الساعة اليوم، من سيكون رئيس البلاد القادم؟ السبسي أو المرزوقي؟ أو بمعنى آخر، هل سنشهد لونا واحد في القصبة وقرطاج وباردو أو سنكسر السواد السياسيّ برماديّ غامق لن يغيّر الكثير من مشهد تحدّه خطوط حمراء لن يجرأ سياسيّ على تجاوزها؛ كونها ضامنة الحكم وقواعد اللعبة الكبرى، فمن سيحاول المسّ من الاختيارات الاقتصاديّة التي تجعل من تونس مجرّد سوق مفتوح و”كارتيلات” مقسّمة بعناية بين لوبيات القطط السمان.