الاساءة إلى الغير عبر شبكات الاتصال، هي التهمة التي وُجهت إلى رسام الكاريكاتير توفيق عمران الخميس المنقضي واذنت بمقتضاها النيابة العمومية ببن عروس بالاحتفاظ به قبل أن تطلق سراحه بعد ساعات.

الاساءة إلى الغير عبر شبكات الاتصال، هي التهمة التي وُجهت إلى رسام الكاريكاتير توفيق عمران الخميس المنقضي واذنت بمقتضاها النيابة العمومية ببن عروس بالاحتفاظ به قبل أن تطلق سراحه بعد ساعات.
تسريب تلو الآخر، ينشغل الرأي العام بتفاصيله. وثائق رسمية وأبحاث عدلية تتداول بشكل واسع على شبكات التواصل، زمن سلطة استوت على العرش بوعود القطع مع العبث والانحدار السياسي، فإذا بها تزيد عبثا على العبث وتفتح بسياساتها المجال للتسريبات وتصفية الحسابات من داخل المنظومة.
بعد ستة أشهر من الإيقاف التحفظي في ما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة، تم التمديد في الايقاف بأربعة أشهر اضافية في حق الموقوفين. قرار زاد من حدة الانقسام بين السلطة و المعارضة التي تتهم قيس سعيد بتوظيف القضاء لتصفية خصومه السياسيين. قضايا تآمر على أمن الدولة وقضايا رأي ضد صحفيين ونقابيين ونشطاء وضعت القضاء في موضع الاتهام والخضوع لرغبات السلطة التنفيذية.
نائب أمين عام حزب التيار الديمقراطي زياد الغناي ممنوع من السفر بموجب قرار قضائي على خلفية مشاركته في الجلسة العامة الافتراضية لمجلس نواب الشعب المنحل في مارس2022، قاضي التحقيق المكلف بالقضية يرفض البت (رفضا او قبولا) في مطلب رفع تحجير السفر في سياق يُتهم فيه القضاء بتنفيذ تعليمات السلطة السياسية. قضية أخرى من قضايا التآمر على أمن الدولة وُجه فيها الاتهام لعشرات السياسيين والنواب ورجال الأعمال.
منذ بداية العمل به، تتالت الإحالات القضائية على خلفية المرسوم 54. نص قانوني فضفاض تؤوله وزيرة العدل حسب إملاءات الرئيس، لملاحقة معارضيه وترهيب الصحفيين والمدونين درءا لخطر نقد المقدسات
أثار المرسوم الرئاسي عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال مخاوف الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بما يتضمنه من تهديد فعلي لحرية الصحافة والنشر وانتهاك المعطيات الشخصية. نواة التقت أيمن الزغدودي أستاذ القانون العام للوقوف على جوهر المرسوم و جدية تهديده للحريات.
منذ آخر 2018، ولى جمع صغير من الصحفيين المغاربة وجوههم نحو تونس هربا من أحكام قضائية طالتهم بسبب انتقادهم لسياسة الملك وتغطيتهم لحراك الريف الذي بدأ سنة 2016. طيلة عامين، تواصلت محاكمات 6صحفيين ضمن قضيتين كبيرتين أساسهما تهم جنائية ذات خلفيات أخلاقية، مثل الاغتصاب والإجهاض والاتجار بالبشر، طالت هؤلاء الصحفيين، تحول خلالها، صحفيان من شاهدين إلى متهمين. روى الصحفي عماد ستيتو والصحفية هاجر الريسوني قصتهما في مقابلة مع موقع “نواة”، وخلفية استقرارهما في تونس.
نبيل البركاتي، فيصل بركات، أنيس الفرحاني، هي ليست أسماء تشير إلى ضحايا عابرين فتكت بهم آلة القمع والقتل النظامية على امتداد ثلاث أجيال من أواسط الثمانينات مرورا بأول التسعينات وصولا إلى جانفي 2011، وإنما هي علامات دائمة على حصانة الجلادين من المساءلة والمحاسبة. يشتغل إفلات الجناة من العقاب ضمن منظومة يشتبك فيها الإعلام بالسياسة وبالأجهزة الأمنية والنقابات المنضوية تحتها، من خلال استراتيجيا التشكيك في ممكنات المحاكمة العادلة والضغط على البرلمان والقضاء.
نظم مجموعة من النشطاء التونسيّين أمام السفارة المصريّة بتونس وقفة مساندة للمدوّن المصري وائل عبّاس الذّي تم اعتقاله واحتجازه في مكان مجهول من قبل قوات الأمن بسبب انتقاده لنظام الحكم العسكري وحديثه الدائم عن تجاوزات الشرطة. وندّد النشطاء التونسيّون بموجة الاعتقالات التي تطال الصحافيّين والمدوّنين المصريّين رافعين شعار الحرية لوائل عبّاس ولجميع المعتقلين على غرار علاء عبد الفتاح وجلال البحيري وهيثم محمدين ومحمد القصاص وشادي أبو زيد وماهينور المصري وإسماعيل الاسكندراني.
الثورات ألغاز .. مشتبهات وغير متشابهات .. وبما أن التأريخ هو الذي يُنطق التاريخ الأبكم تعددت مفاهيمها واختلفت تآويلها. فهل الثورة التونسية التي أعادت البهجة للنفوس هي انقلاب على الدولة أم تقلب من تقلبات مزاج التاريخ؟ هل هي حيلة من حيله أم ابتسامة من ابتساماته؟ هل هذه الثورة المباغتة هي ”حدث لغوي يصنع التاريخ“ أم حدث افتتاحي ”يطيح بنظام كوني“ ويأتي بنظام جديد يصبح فيه الشعب هو الذي يريد والقدر يستجيب ؟ هذا مذاق أوّلي لما قرأت في صفحات كتاب رجل القانون عياض بن عاشور ”تونس ثورة في ديار الإسلام“.
إنّ شهادات الضحايا أو عائلاتهم و بمجرّد الإنتهاء منها تخرج من بعدها الذاتي الضيّق لتتوسّع و تصبح تجربة جماعيّة يتشارك فيها كلّ مستمع/ متعاطف مع أدقّ تفاصيل الأحداث. لقد أمدتنا هذه الجلسات بلحظات نادرة كان التونسيون فيها مُوَحَّدِينَ على إختلاف رؤاهم و إنتماءاتهم السياسيّة.
ما حصل في السنوات اللتي تلت حدث ”الثورة“ أعاد بن علي كحجة للسباب بين مختلف الفرقاء، و عادت ”وطنيته“ كحجة متكررة، ثم كعبارة تذمر متواترة لدى الجميع. إلى أن صرنا في 2016 نرى من يذكر بوطنية بن علي و سياديته مقارنة بالآخرين. لم يعد الأمر قصرا على برهان بسيس اللذي أبدع في تدخل مع نوفل الورتاني متلاعبا بالكلام، مبرزا كيف أنه هو الأذكى بين الجميع و الأنزه بوضوح نظرا لاختياره الإصطفاف وراء بن علي الوطني السيادي، رغم ما يبدو من تصلبه. بل صار العديد يذكرون بوطنية و سيادية بن علي متحسرين على أندلس ما كان بيننا هنا.
عبد الوهاب عبد الله، أحد العقول القديمة التي حصّنت قلعة نظام بن علي طيلة أكثر من عقدين، كان آخر العائدين إلى المشهد، حيث نال شرف الاستقبال في قصر قرطاج يوم 16 ماي الجاري. فمع بداية التسعينات -التي انتهت فيها فسحة الكلام ونَضُج فيها خيار التصفية لكل نفس مخالف للنظام- تجدّدت الحاجة لرجل دعاية قوي يبرّر جرائم النظام ويلمّع صورته في تونس وخارجها، وقد كان عبد الوهاب عبدالله آخر وزير إعلام في عهد بورقيبة الأقرب إلى هذه المهمة في حسابات الرئيس بن علي، فاستقدمه في ديسمبر 1990 ليعيّنه مستشارا إعلاميا وناطقا رسميا باسم الرئاسة.
توالت ردود الفعل المستنكرة، عقب تداول صور الوزير السابق، ڨوبلز التونسي، السيد عبد الوهاب عبد الله، حاظيا باستقبال رسمي بمناسبة احتفال وزارة الخارجية بستينيتها. و إن كان الجانب العاطفي مفهوما، إلا أنه للنزاهة لم يكن الفعل بالأمر المستغرب.
الحنين إلى النظام السابق ما فتأ يكسب النقطة تلو الأخرى. مدعوما بترسانة اعلاميّة مسكونة بهاجس أمنيّ أعمى، تنتشر الظاهرة دون حياء مع كلّ عملية ارهابيّة. اليوم، يتمّ تصوير زمرة بن عليّ على أنّهم مجموعة من “الصحفيّين الجهابذة” الذّين ترتّب عن غيابهم “خسارة فادحة” للساحة الاعلاميّة. وصلت الأمور إلى حدّ تمجيد عبد الوهاب عبد الله. كلّ هذا يتمّ على أساس شبكة من العلاقات والمحسوبيّة التي تسعى لإعادة تموقع اللوبي البنفسجي.
قد يبدو ظهور برهان بسيس من جديد في برنامج “لمن يجرؤ فقط” بقناة “الحوار التونسي” ليلة 30 مارس 2015 صادما لعدد كبير من المتابعين ممن استعادوا الحضور السيء لأحد الأبواق البارزة لنظام بن علي. لكن فرصة الظهور بذلك الشكل -وإن كانت تمثل نجاحا شخصيا لبرهان بسيس ودعما كبيرا لفائدته-لا تعدو أن تكون نتيجة طبيعية للتحصين السياسي للنظام السابق وللتغييرات العميقة التي طرأت على طبيعة التعامل الإعلامي و الثقافي مع عدد من الرموز المرتبطة بذلك النظام.
يضطر المسافر إلى شراء طابع جبائي ب60 دينارا أو لا يمر! حاولت أن أجد وجها لحسن التدبير في هذا اﻵداء التونسي 100% فلم تسعفني إلى صورة “البراكاج”. الدولة التونسية لا يهمها أن تكون خواتم رحلات زائريها و سياحها و مواطنيها بالمسك رمزا لكرم و عدل و شهامة تونس. لا. الدولة التونسية تعلم أنّك كمسافر مجبر على الدفع و لا مفر، فتستغل ذالك إستغلال فاحشا (قارن 60 دينار باﻷجر اﻷدنى مثلا) و تقوم ببراكاج: من يدفع يمر. قلة ذوق فاحشة أن تكون آخر ذكرى لمن يزور تونس براكاج قانوني. هذا اﻹجراء يكاد يصرخ أنه كتب في تونس بعقلية إستغلالية من أمام خليفة الحماص.
بما أنّ هذه الورقة ليست بأكاديمية ولا هي تبعا لذلك بصارمة فإنّني لن أستفيض بدايتها في شرح لفظ “ثورة” مفهوما واصطلاحا. بل سأحاول تعقّب أثر معنى لها أو سواه في سياق نزولها في تاريخ تونس المعاصر. إلاّ أنني أنطلق، منهجيّا، من اعتماد معنى بسيط مألوف ينزّل الثورة في حيّز زمنيّ طرفاه الأوسط قبلُ وبعدُ. وأعزوهما إلى الوسط لافتراض وجود مقاطع زمنية تسبق (ال)قبل وتلي (ال)بعد. إذ يُستمدّ وقود الثورة من الوعي باستحالة التعايش مع نظام سابق تعمل الثورة على محوه ونظام جديد ترنو إلى بسط سلطانه. فما سمّي في تونس، توافقا أو ضرورة، بثورة فإنّما اندلع، عفويا أو مدبّرا، ضدّ قيم قائمة نخرت ضمير البلاد وكادت تؤلّب مواطنيها على بعضهم البعض. لأنها ببساطة إذ تخدم البعض منهم فعلى حساب البعض الآخر الغالب عددا والمغلوب تدبّرا.