أحدثت تركيبة حكومة الصيد انقساما داخل حزب النداء. رفض بعض مكونات هذا الحزب لمشاركة حركة النهضة لم ينجح في إسقاطها. ورغم أن الخيار كان سانحا منذ البداية لتجنب هذه الشراكة بضم حزب آفاق إلى الإئتلاف الحكومي بما يمكن من نيل ثقة مجلس النواب، إلا أن تجاهل هذا الحزب في البداية أشّر إلى وجود “مناورة” سياسية الهدف منها هو الإيحاء بأن مشاركة النهضة “حتمية” رغم أن مؤشرات هذا التحالف كانت واضحة منذ رفض راشد الغنوشي لإقصاء التجمعيين وفتحه الباب على مصراعيه أمام الباجي قائد السبسي لترأس البلاد.
رغم رفض الغاضبين مرت حكومة الصيد بأغلبية مريحة أمنها المغتبطون بفوز أحزابهم بمناصب حكومية تفاوتت أهميتها. ولم يبق للمهتمين بالشأن السياسي في تونس سوى التأمل في السير الذاتية لأعضاء هذه الحكومة والتي كشفت في أغلبها عن تباين بين طبيعة الوزارة واختصاص الوزير وتكوين. هذا عدا عن التعيينات المسقطة التي تفوح منها رائحة المقايضات الحزبية مما أسقط ادعاءات النداء خلال حملته الانتخابية بضمه لكفاءات قادرة على تكوين أربعة حكومات أو أكثر في تحد لم ينجح الحزب في رفعه وسرعان ما تميزت مشاوراته بالإرتباك.
حقائب وزارية ل”الترضية”
رغم الوعود التي قدمها حزب النداء بتقليص عدد الوزراء إلا أن الحبيب الصيد رضخ للضغط الذي فرضته بعض الأحزاب برفضها المصادقة على التشكيلة الأولى للحكومة المقترحة. هذا الضغط أجبر الصيد على إعادة خلط الأوراق وتوسيع الإئتلاف الحزبي المضيق الذي ضم حزبي نداء تونس والإتحاد الوطني الحر ليضاف إليهما حزب حركة النهضة وحزب آفاق وحزب جبهة الإنقاذ الوطني.
وزارات ذات مهام يمكن القول أنها “شكلية” كلف بها النداء عضوين هامين من أعضائه هما الأزهر العكرمي وكمال الجندوبي الذي طالما تحدث عن استقلاليته السياسية.
فمحمد الأزهر العكرمي الذي عمل سابقا في سلك المحاماة وفي مجال الصحافة كما شغل سنة
2011 منصب وزير معتمد لدى وزير الداخلية مكلفا بالإصلاح في حكومة الباجي قائد السبسي تم تعيينه في حكومة الصيد وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب. أما كمال الجندوبي خريج معهد إدارة الأعمال في باريس ورئيس الهيئة العليا للانتخابات لسنة 2011 فقد تم تكليفه بمهمة وزير لدى رئيس الحكومة مكلف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني في حكومة الحبيب الصيد. في انتظار انطلاق أعمال هاتين الوزارتين اللتين أنشئتا لتنظيم العلاقات مع مجلس النواب والهيئات الدستورية والمجتمع المدني نذكر أن الوزير المكلف بالعلاقات مع المجلس التأسيسي في حكومة الترويكا عبد الرزاق الكيلاني لم يقدم أية إضافات تذكر وبقي في الظل في حين كانت العلاقة بين التأسيسي والحكومة آنذاك تتسم بالفوضى واللخبطة. كما أن التساؤل يطرح حول دور الجندوبي في التنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني الذي من المفترض أن يعمل على فضح ممارسات الحكومة لا التطبيع معها وأيضا بين حكومة الصيد والهيئات الدستورية خصوصا منها هيئة الانتخابات التي كان الجندوبي من أشد الراغبين في ترأسها مرة ثانية إلا أن رفض حركة النهضة حال دون ذلك.
ترضية أخرى مرت دون أن تسلط وسائل الإعلام عليها الضوء تمثلت في تكليف رئيس حزب جبهة الإنقاذ الوطني التوهامي العبدولي بمنصب كاتب دولة لدى وزير الشؤون الخارجية مكلفا بالشؤون العربية والإفريقية. والعبدولي المتخصص في الحضارة والأنتروبولوجيا الثقافية ونائب رئيس الجامعة الأورومتوسطية بالاتحاد الأوروبي أعلن في تصريح سابق لنواة، إثر فوزه في الانتخابات التشريعية عن دعمه للباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية واستعداده للعمل في حملته الانتخابية. وربما يفسر تعيين العبدولي في هذا المنصب بتواجده المكثف خلال الانتخابات بمختلف وسائل الإعلام لإعلان دعمه لحزب النداء وزعيمه خصوصا مع قدرته على جمع عدد هام من الناخبين من أبناء جهة سيدي بوزيد وراء حزبه.
تعيين وزاري آخر عرف معارضة شديدة من طرف إعلاميين وسياسيين تمثل في تسمية شقيقة الشهيد سقراط الشارني مجادولين الشارني خريجة الهندسة المعمارية ككاتبة دولة مكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة. ورغم وجود أسماء عديدة لحقوقيين ومحامين عملوا طويلا على دراسة هذه الملفات ومتابعة سير قضاياها إلا أن نداء تونس لعب ورقة رابحة من خلال تركيز حملته الانتخابية في مدينة الكاف على وعود بكشف قاتلي الشهيد الشارني وقد قام السبسي أثناء هذه الحملة بزيارة عائلة الشهيد. وقد رأى البعض في تكليف ماجدولين الشارني بهذه المهمة استغلالا سياسيا لهذه الحادثة لم تمانع عائلة الشهيد في المشاركة فيه.
التسوية التي عرفتها نقاشات الشوط الثاني من تشكيل حكومة الصيد أفرزت حصول حركة النهضة على حقيبة وزارية وحيدة وثلاث تعيينات ككتاب دولة. هذه المناصب اعتبرها بعض المحللين السياسيين هزيلة ولا تتناسب مع حجم الحركة السياسي. ولكن بالنظر إلى إمكانيات نداء تونس في الاستغناء عن التحالف مع حركة النهضة يمكن تفهم اكتفاء الحركة وزعيمها بما قدمه لهم النداء بمقابل ستكشفه المعارك السياسية القادمة ربما، فكسب رضا الحركة وإخراجها من صف المعارضة تم بدون تضحيات كبيرة من طرف حزب النداء الذي احتفظ بالمناصب الهامة.
منطق ” الترضيات” وتوزيع الهدايا الوزارية على أحباء الحزب ووقوع الحبيب الصيد تحت ضغط أحزاب كبرى وصغرى أدى أيضا إلى عدم انسجام بين تكوين عدد هام من الوزراء والمهام التي كلفوا بها. هذا التداخل سيكلف الدولة مزيدا من الوقت في تعامل أعضاء الحكومة مع مهامهم وسيؤدي ربما إلى فشل العديد منهم في القيام بدوره بالنجاعة المطلوبة.
فوضى الاختصاصات
رغم أن التعيينات في حكومة الصيد سياسية بالأساس إلا أنه كان بالإمكان محاولة مواءمة الأسماء المقترحة مع الإختصاصات الوزارية المختلفة. وسنستعرض هنا السير الذاتية لعدد من الوزراء وكتاب الدولة بما يطرح التساؤل عن جدية الحبيب الصيد في دراسته للملفات التي وضعت على مكتبه.
وزير الخارجية اختصاصي في اللسانيات
الطيب البكوش الذي عين وزيرا للشؤون الخارجية في الحكومة المقبلة هو أستاذ جامعي متحصل على شهادة الدكتوراه في اختصاص اللسانيات. وتحمل البكوش عدة مسؤوليات قيادية في ميادين متنوعة منها الكتابة العامة لجامعة التعليم العالي و تسلم الأمانة العامة للاتحاد العام التونسي للشغل من سنة 1981 إلى غاية 1984 وله عديد المؤلفات في اللسانيات من أبرزها كتاب التصريف العربي من خلال علم الأصوات الحديث.
مهندس فلاحي وغذائي على رأس وزارة الطاقة
تحصل زكرياء حمد الذي عيّن وزيرا للصناعة والطاقة والمناجم على شهادة الهندسة في الفلاحة من إحدى جامعات تونس علاوة على شهادة مهندس في الصناعات الغذائية من فرنسا وشهادة في الدراسات المعمقة في البيوتكنولوجيا من فرنسا إلى جانب شهادة من معهد الدفاع الوطني بتونس. تقلد زكرياء حمد خلال مساره المهني خطة مدير عام الصناعات الغذائية بوزارة الصناعة ورئيس ديوان وزير الصناعة فمديرا عاما للقطب التكنولوجى للصناعات الغذائية ببنزرت.
خبير في الطاقة على رأس وزارة التعليم العالي
شهاب بودن الذى تم تعيينه وزيرا للتعليم العالى والبحث العلمى فى حكومة الصيد متحصل على شهادة مهندس تقنى من المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس.كما تحصل على شهادة الدراسات المعمقة في الطاقة الشمسية من جامعة باريس7 الى جانب إحرازه على دكتوراه فيزياء وطاقة من جامعة باريس.
متخصص في الحركات الإسلامية والتاريخ العسكري وزيرا للتربية
عين ناجي جلول على رأس وزارة التربية في حكومة الحبيب الصيد. وجلول هو عالم وخبير في التاريخ الإسلامي في جامعة منوبة ومتخصص في الحركات الإسلامية.تحصل على الدكتوراه في الحضارة الإسلامية من جامعة السوربون. هو أستاذ جامعى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة منوبة.
وجلول أيضا عضو مؤسس للجنة الوطنية للتاريخ العسكري وعضو مؤسس للمجلة التونسية للتاريخ العسكري، لديه العديد من المؤلفات أهمها «التحصينات الساحلية لإيالة تونس في العهد العثماني» و«الرباطات البحرية بافريقية في العصر الوسيط» وعشرات المقالات حول التاريخ العسكري والتحصيّنات والمعاقل والمعارك في العصر الوسيط.
وزير الصحة مختص في البرمجيات والحواسيب
استهل وزير الصحة في حكومة الصيد سعيد العايدي حياته المهنية سنة 1985 بمركز الأبحاث والتطوير التابع للشركة العامة للإعلامية بباريس ثم بمرسيليا. وعمل سنة 1993 بالشركة العالمية المتعددة الجنسيات العاملة في مجال تصنيع وتطوير الحواسيب والبرمجيات “اي بي ام.” وبعث في سنة 2004 مؤسسة اطلاسيس وهي مؤسسة متخصصة في الاستشارة وهندسة الحلول الإعلامية في مجال الموارد البشرية. وعين العايدي سنة 2006 مديرا عاما لشركة هيومن ريسورسز اكس للشرق الأوسط وإفريقيا المتعددة الجنسيات المختصة في نشر البرمجيات والإسناد الخارجي للموارد البشرية وعضوا في اللجنة التنفيذية للشركة في العالم. تم تعيينه من جانفي إلى غاية ديسمبر من سنة 2011 وزيرا للتكوين المهني والتشغيل في حكومة محمد الغنوشي ثم حكومة الباجي قائد السبسي.
محام في منصب وزير التشغيل
زياد العذاري عن حركة النهضة هو وزير التكوين المهني والتشغيل في حكومة الحبيب الصيد محام وخبير في القانون الدولي، يشغل خطة ناطق رسمي لحركة النهضة.متحصل على الأستاذية في القانون بكلية العلوم القانونية بتونس وعلى شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص، كما درس الاقتصاد والمالية بمعهد الدراسات التجارية العليا بتونس.
أستاذة أنجليزية مكلفة بالتعاون الدولي
تشغل آمال عزوز المعينة في منصب كاتبة دولة لدى وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولى مكلفة بالتعاون الدولى فى حكومة الحبيب الصيد منصب نائبة بمجلس نواب الشعب عن حركة النهضة. وآمال عزوز نائبة سابقة بالمجلس الوطنى التأسيسى عن نفس الحركة واشتغلت عزوز أستاذة مبرزة بالمعهد الوطنى للشغل والدراسات الاجتماعية بتونس وأستاذة ملحقة بالتعليم العالى وأستاذة تعليم ثانوى.
حكومة الصيد لا تخلو أيضا من عدد من الوزراء وكتاب الدولة من ذوي الاختصاصات المتطابقة مع مهامهم خصوصا منهم من المستقلين ومن بينهم نذكر وزير التجهيز والبيئة والتهيئة الترابية محمد صالح العرفاوي الذي عمل في عديد الخطط بنفس الوزارة وأشرف على إعداد عدد من المشاريع التابعة لها. لمياء بوجناح الزريبي التي تم تعيينها كاتبة دولة لدى وزير التنمية والإستثمار شغلت خلالل مسيرتها المهنية خطة مديرة عامة للتقديرات ومديرة تقديرات المدفوعات الخارجية بوزارة التنمية بين سنتي 2001 و2008. كما تدرج وزير الفلاحة الجديد سعد الصديق في عدد من الخطط الهامة في وزارة الفلاحة حيث شغل منصب رئيس دائرة الهندسة الفلاحية ببنزرت وقبلي ثم عين مندوبا جهويا للتنمية الفلاحية بقبلي وسيدي بوزيد الى حدود سنة 2008 قبل أن يشغل منصب مدير عام للهندسة الريفية واستغلال المياه ثم مديرا عاما للشركة الوطنية لاستغلال المياه منذ شهر ماي الفارط. هذا وقد تفاعل عدد هام من المنتمين إلى سلك القضاء إيجابا مع تعيين الأستاذ في القانون الدستوري محمد صالح بن عيسى على رأس وزارة العدل. كما اعتبر بعض المهتمين بالشأن السياسي تعيين الطبيبة سميرة مرعي عن حزب آفاق على رأس وزارة المرأة خطوة موفقة.
iThere are no comments
Add yours