بقلم محمد سميح الباجي عكاز،
مصطلح المصالحة الوطنيّة لم يكن بطارئ على مسامع التونسيّين، حيث سبق أن بدأ الحديث عن هذه “الصفقة” منذ بداية الفترة الانتقاليّة وحرب الاستقطاب قبيل انتخابات أكتوبر 2011.
وإن كان المعطى السياسيّ والرغبة في استقطاب التجمعيّين والاستفادة من أصواتهم هو الدافع الاساسيّ للحديث عن المصالحة في تلك الفترة، فإنّ مشروع القانون الذّي طرحته رئاسة الجمهوريّة منذ أيّام غلب عليه الشأن الاقتصاديّ وتمحور بالأساس حول “مصالحة وطنيّة اقتصاديّة” بين رجال الأعمال المتهمين بالفساد المالي والاضرار بالمال العام وبين الدولة واسقاط كلّ التهم والقفز على ما قد يترتّب عنها من عقوبات.
مشروع القانون الذّي طرحه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لا يشذّ عن مسار بدأ سنتين وتميّز بانخراط رجال الأعمال ومنظّمة الأعراف في الشأن السياسيّ لتصبح هذه الأخيرة طرفا أساسيّا في الساحة السياسيّة وفي دوائر اخذ القرار بالأساس.
مشروع “المصالحة الوطنيّة”: كيف سيتمّ القفز على الدستور والتغاضي عن المحاسبة
أوائل الأسبوع الثاني من شهر جويليّة الحالي، أعلنت رئاسة الجمهوريّة عن مشروع قانون تحت عنوان “المصالحة الوطنيّة” في المجال المالي والاقتصادي وذلك بهدف تعزيز مناخ الثقة والتسريع في إغلاق ملفات الفساد التي طالت معالجتها وللحد من تأثيراتها السلبيّة على واقع الاستثمار في البلاد بحسب ما جاء في نصّ المبادرة.
وقد تضمّنت هذه المبادرة نقاطا عديدة تتعلّق بكيفيّة التعامل مع ملفّات الفساد المالي والاقتصاديّ وإجراءات تهدف إلى غلق هذه الملفّات نهائيّا وتحقيق ما أسمته المبادرة “المصالحة” وطيّا لصفحة الماضي وتدعيما للمسار الانتقاليّ.
أهمّ النقاط التي تضمّنها مشروع “المصالحة الوطنيّة” الذّي تضمّن 12 فصلا، فكانت كالآتي:
الفصل 2: توقف التتبعات أو المحاكمات أو تنفيذ العقوبات في حق الموظفين العموميين وأشباههم من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام باستثناء تلك المتعلقة بالرشوة وبالاستيلاء على
الأموال العمومية.الفصل 3: يمكن لكل شخص حصلت له منفعة من أفعال تتعلق بالفساد المالي أو بالاعتداء على المال العام تقديم مطلب صلح إلى لجنة مصالحة تحدث برئاسة الحكومة يشار إليها فيما يلي باللجنة، وتتركب
من:
– ممثل عن رئاسة الحكومة : رئيس.
– ممثل عن الوزارة المكلفة بالعدل.
– ممثل عن الوزارة المكلفة بالمالية.
– عضوان عن هيئة الحقيقة والكرامة.
– المكلف العام بنزاعات الدولة أو من يمثله.يتم تعيين أعضاء اللجنة في أجل 10 أيام من تاريخ نشر هذا القانون بقرار من رئيس الحكومة باقتراح من
الهياكل المعنية يتضمن دعوتهم للاجتماع في أجل 15 يوما. ولا يحول عدم تعيين عضو او أكثر باللجنة دون
تكوينها شريطة أن لا يقل عدد أعضائها عن أربعة.الفصل 5: تقدر اللجنة قيمة الأموال المستولى عليها أو المنفعة المتحصل عليها بعد التثبت من صحة
المعطيات الواردة بمطلب الصلح ويمكنها للغرض المطالبة بالوثائق الضرورية والقيام بكل إجراء تراه
مناسبا. ولا يجوز معارضتها بالسر المهني.
يتم الصلح بمقتضى قرار يمضى من رئيس اللجنة و من المعني بالأمر مقابل دفع مبلغ مالي يعادل قيمة الأموال
العمومية المستولى عليها أو المنفعة المتحصل عليها تضاف إليها نسبة 5 % عن كل سنة من تاريخ حصول ذلك.
ينص قرار الصلح وجوبا على طبيعة الأضرار وقيمتها وعلى قبول الأطراف به واعتباره نهائيا غير قابل لأي
وجه من أوجه الطعن أو الإبطال أو دعوى تجاوز السلطة.الفصل 11: تنتهي مهام لجنة المصالحة بإعداد تقرير يتضمن حصيلة أعمالها في أجل أقصاه شهر من
انقضاء أجل البت في المطالب المقدمة إليها. تحيل اللجنة تقريرها إلى رئيس الحكومة الذي يحيل نسخة
منه إلى هيئة الحقيقة والكرامة في أجل شهر من تاريخ توصله به.الفصل 12: تلغى جميع الأحكام المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام الواردة بالقانون
الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها.
الملاحظات الأساسيّة بخصوص بعض الفصول الواردة في مشروع قانون المصالحة تتعلّق بنقطتين أساسيّتين.
فعلى المستوى الأخلاقيّ والمعنوي يعتبر قانون المصالحة انتهاكا صارخا لمبدأ المحاسبة واسترداد حق المتضرّرين سواء كانوا من الأفراد أو الدولة نفسها نتيجة اهدار المال العام وسوء التصرّف بغضّ النظر عن التهم المستثنية في مشروع القانون والتي تضمّ الرشوة واختلاس المال العموميّ.
فالفساد المالي وإهدار الأموال الخاصّة بالمجموعة الوطنيّة لا تقلّ من حيث الخطورة عن الأفعال المستثنية. كما أنّ تجاوز مبدأ المحاسبة قبل المصالحة يعتبر تشجيعا للمفسدين على المضيّ قدما في تجاوزاتهم، إذ تعتبر المحاسبة بحدّ ذاتها رادعا نفسيّا وقانونيا ضامنا لعدم تكرار تلك الانتهاكات.
الجانب الثاني يتعلّق بعدم دستوريّة هذا المشروع وتجاوزه للقضاء والسلطة التشريعيّة، إذ وكما نصّ الفصلان الثالث والخامس من مشروع قانون المصالحة، تعتبر أحكام اللجان المسؤولة عن المصالحة نهائيّة غير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن أو الإبطال أو دعوى تجاوز السلطة. وهو ما يسقط عن المتضرّرين القدرة على الاستئناف أو الإعتراض على مسار المفاوضات الصلحيّة وما يترتّب عنها من إغلاق نهائيّ للملفّات.
كما تجدر الإشارة أنّ السلطة التشريعيّة قد تمّ تحييدها تماما عن هذه القضيّة، إذ نصّ الفصل الثالث من هذا المشروع أن لجنة المصالحة تخضع رئاسيا وهيكليا لرئاسة الحكومة ولا تتمتع بالاستقلال المالي ولا بالشخصية المعنوية. كما أنّ الحكومة هي من تعيّن أربعة من أعضائها الستة، أما العضوين المتبقيين فيتم تعيينهم من هيئة الحقيقة والكرامة، وهو ما يتعارض مع بشكل واضح مع القانون الأساسي عدد 53 المؤرّخ في 24 ديسمبر 2013 والمتعلّق بإرساء العدالة الانتقاليّة والذّي وضع صلاحيات تعيين أعضاء الهيئة والتعامل مع ملفّ المحاسبة ضمن صلاحيات مجلس النوّاب.
كما تمّ من خلال هذا المشروع إعطاء صلاحيات كبيرة للحكومة دون ضوابط أو رقابة من السلطة التشريعيّة، إذ تنفرد هذه الأخيرة بالنظر في جميع القضايا المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام. وهو ما يطرح احتمالات كبيرة للسمسرة بهذه الملفّات والرشوة والابتزاز والمحسوبيّة وغيرها من الانتهاكات والممارسات التي تنخر دوائر ومؤسّسات الدولة.
قانون المصالحة: من صاحب المصلحة؟
على عكس المشروع الأوّل الشامل والذّي شمل جميع الانتهاكات، سواءا تلك السياسيّة أو المتعلّقة بحقوق الانسان والفساد المالي والاقتصاديّ، خصّ مشروع قانون المصالحة الجديد الجانب الاقتصاديّ لا غير، وهو ما يعني فئة معيّنة من المنظومة السابقة وهم رجال الأعمال.
ظهور هذا المشروع في هذا الوقت بالذّات لا يشذّ عن سياق عام خلال السنتين الأخيرتين تميّز بتغلغل منظّمة الأعراف في الشأن السياسيّ بدء بتعيين رئيس الحكومة السابق مهدي جمعة خلال الفترة الأخيرة من المرحلة الانتقاليّة، انتهاء بوصولها من خلال الانتخابات التشريعيّة الأخيرة للسلطة عبر ممثّلين للمنظّمة في مجلس النواب تجاوز عددهم العشرون نائبا.
لكنّ العامل الأهمّ في تشكيل ملامح المشروع الجديد للمصالحة الوطنيّة يتمثّل في المبادرة التي أطلقتها رئيسة الاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليديّة في الأسبوع الأوّل من شهر جويليّة الحالي تحت عنوان “سنة لإنقاذ تونس”. وتتضمنّ هذه المبادرة ثمانية نقاط أو بالأحرى شروط لتبدأ المنظّمة “بإنقاذ تونس” من أزمتها الاقتصادية. ولكنّ أهمّ ما جاء في هذه المبادرة هي النقاط التالية.
النقطة الأولى تتعلّق بالعمل “بالسرعة القصوى” لتحقيق المصالحة الوطنيّة وفق رؤية مشتركة بين الائتلاف الحاكم ومنظّمة الأعراف التي تمثّل رجال الأعمال المعنيّين بمشروع القانون الجديد. وهو ما يعني إقصاء جميع الأطراف الأخرى كمنظّمات المجتمع المدنيّ والاتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب المعارضة واستفراد الطرفين المذكورين سابقا بهذه الملفات لطيّ صفحتها إلى الأبد.
النقطة الثانية في مبادرة بوشمّاوي تتعلّق بتجريم تعطيل المصلحة العامّة وتخريب الاقتصاد، وهو ما يعني ضمنيّا تجريم الحراك الاجتماعيّ والنقابيّ وأيّ تحرّكات عمّاليّة مطلبيّة. وهو ما يتوافق من جهة أخرى مع مقتضيات قانون الطوارئ ورؤية الحكومة لمتطلّبات حربها على الإرهاب. هذا الجانب بالذّات تكرّر كثيرا خلال الفترة الماضيّة إذ مرّت منظّمة الأعراف من المطالبة بهدنة اجتماعيّة خلال السنوات الفارطة إلى المطالبة بتجريم الحراك الاجتماعي بدعوى المصلحة الاقتصاديّة.
ثالثا، دعا اتحاد الصناعة والتجارة في مبادرته إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية الأساسية ولا سيما الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتعجيل بمراجعة مجلة الاستثمار والقوانين الجبائيّة والنظام البنكي. وهي مطالب قديمة جديدة طرحت منذ اليوم الأوّل للحوار الوطني الاقتصادي وتتوافق تماما مع مقترحات هيئات النقد الدوليّة لإعادة هيكلة الاقتصاد المحليّ. هذا بالإضافة إلى بعث هيكل وطني وفاقي لفض النزاعات الشغلية مقابل التوصل في أعقاب هذه السنة الى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين اعتمادا على نسبة النمو المسجلة وإقرار مبدأ تجريم كل تعطيل للعمل وبالتالي التحييد التام للاتحاد العام التونسي للشغل عن أيّ مفاوضات اجتماعيّة.
يثير الترابط بين مبادرة منظّمة الأعراف ومتطلّبات قانون الطوارئ وإعلان الباجي قايد السبسي عن ضرورة المصالحة عقب الحادثة الارهابيّة في متحف باردو الاستغراب، حيث تتزامن المشاريع والمبادرات الاقتصاديّة والقانونيّة مع حالة الصدمة التي تعيشها البلاد وحالة الخوف والضغط التي يعانيها المواطنون لتتحوّل إلى ما يشبه الابتزاز.
ردود فعل باهتة تجاه المبادرتين
باستثناء الجبهة الشعبيّة وبعض منظّمات المجتمع المدنيّ، كان التجاوب مع مبادرتي رئاسة الجمهوريّة ومنظّمة الأعراف إيجابيّا خصوصا من أحزاب الائتلاف الحاكم وحركة النهضة التي حاولت تمرير بعض الملاحظات بخصوص ضرورة تعديل المشروع للتوافق مع فصول الدستور بشكل ديبلوماسيّ داعية إلى مزيد التريّث والمراجعة، في حين كانت ردود الفعل من الأحزاب السياسيّة الأخرى باهتة وغير واعية بمخاطر هذا المشروع وما تضمّنه من انتهاك للدستور.
أمّا المعني الاساسيّ بهذا المشروع وهي هيئة الحقيقة والكرامة فقد أصدرت بيانا عقب الإعلان عن مشروع قانون “المصالحة الوطنيّة” يستنكر مشروع هذا القانون ويعتبره انتهاكا للدستور وتدخّلا للحكومة ورئاسة الجمهوريّة في صلاحيات الهيئة ومسّا من مسار العدالة الانتقاليّة.
وفي هذا السياق اتصّلت “نواة” بسيف السوداني المكلّف الإعلامي في هيئة الحقيقة والكرامة ليؤكّد ما جاء في البيان حيث لم يتم استشارة الهيئة أثناء اعداد هذا المشروع رغم أنّها الطرف القانوني المخوّل وفق الدستور للتعاطي مع هذا الملفّ.
كما أشار محدّثنا إلى أنّ إعداد مشروع قانون المصالحة الوطنيّة كان ارتجاليّا واستنسخ العديد من النقاط والترتيبات الموجودة فعلا في الهيئة. وحول آفاق التحرّك في حال إصرار الحكومة ورئاسة الجمهوريّة على المضيّ قدما في إقرار هذا القانون، أوضح سيف السوداني أن الوقت مازال مبكّرا للمصادقة على هذا المشروع وأنّ الضغوطات الموجودة حاليّا سترغم الأطراف المذكورة على مراجعته وتنقيحه.
كما استغرب محدّثنا من حالة اللامبالاة والتجاهل من الحكومة لمطالب ومراسلات الهيئة، إذ ورغم مطالبة لجنة التحكيم والمصالحة برئاسة السيّد خالد الكريشي منذ شهرين بتوضيحات لكيفيّة تمثيل الدولة في اللجان للتدقيق فيها إلاّ أنّ هذا الأخير لم يتحصّل على الردّ حتّى هذه اللحظة.
وأبدى المتحدّث الإعلاميّ للهيئة استغرابه من إقدام رئاسة الجمهوريّة والحكومة على مثل هذا الخطوة والبحث عن خلق هيئة موازية على الرغم من أنّ هيئة الحقيقة والكرامة تمارس مهامها منذ سنة 2014 وشرعت بالفعل في الانتدابات ودراسة الملفّات، وهو ما اعتبره هذا الأخير اهدارا لمال العام والتفافا على مبدأ جوهريّ في مسار العدالة الانتقاليّة وهو الحياد والاستقلاليّة.
التدخل السياسيّ في أعمال اللجان الدستوريّة المستقلّة كان بدوره محور حديث القاضي المستقيل من لجنة المصادرة أحمد صوّاب خلال لقاء خاصّ مع نواة.
حيث برّر هذا الأخير استقالته من لجنة المصادرة، التي أُحدثت إبّان الثورة، بأنّ اللجنة تتعرّض إلى “هجمة ممنهجة بتواطئ من الدولة”. وأوضح أنّ مشروع قانون المصالحة مع رجال الأعمال، الذي أعلن عنه رئيس الدولة إثر مجزرة سوسة، “ينسف الحدّ الأدنى من العدالة الانتقاليّة”.
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=z0D2_4J_f8Q&w=640&h=360]
وفسّر القاضي ما يجري حاليًا بأنّه نتيجة طبيعيّة لـ”زواج متفجّر بين عالميْ السياسة والمال”. وأوضح أنّ للديمقراطية، ثلاث أعمدة تقوم عليها هي الأمن والإعلام والقضاء، “إلاّ أنّ حالة القضاء هي الأردأ” حسب تعبيره. ولم يتردّد صواب في اعتبار أنّ حالة القضاء اليوم صارت أسوأ بكثير من زمن بن علي. ولم يستثن من ذلك القضاء الإداري “جوهرة القضاء التونسي” سابقًا، الذي كان ينتمي إليه قبل استقالته احتجاجًا على التمديد للرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية.
وعبّر السيّد احمد صواب عن أمله في أن تتحمّل المعارضة والإعلام مسؤوليتها في الدفاع عن لجنة المصادرة وقراراتها، التي يعتبرها من “مكاسب الثورة” القليلة المتبقّية.
بدورها تحرّكت بعض منظّمات المجتمع المدنيّ ضدّ هذا المشروع لتصدر بيانا مشتركا ضمّ كلّ من:
التنسيقية الوطنية المستقلة للعدالة الانتقالية، النقابة الوطنية للصحفيين التونسيية، جمعية النساء الديمقراطيات، الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمعية يقظة من اجل الديمقراطية ومدنية الدولة، منظّمة 23/10 لدعم المسار الديمقراطي، اللجنة من اجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
حيث عبّر هؤلاء عن رفضهم المبررات التي قدمتها رئاسة الجمهورية لتمرير مشروع القانون المتعلّق بإيقاف المحاكمات والملاحقات وتنفيذ العقوبات في حق الموظفين العموميين وأشباههم وذلك في خصوص الأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على الأموال العمومية، بحجّة أنه يهدف إلى النهوض بالاقتصاد الوطني في والاستثمار.
كما دعا الموقّعون إلى ضرورة احترام الدستور والتعامل مع الهيئات المعنيّة بملفّ العدالة الانتقاليّة مشدّدين على ضرورة المحاسبة قبل المرور على المصالحة.
مشروع “المصالحة الوطنيّة” الجديد يمثّل إذن خطوة جديدة في مسار تكريس سلطة أصحاب الثروات وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطنيّ وفق شروط هيئات النقد الدوليّة التي وضعت على طاولة الحكومات المتعاقبة بغية انهاء أي دور اجتماعيّ واقتصاديّ للدولة. وما توافق مبادرة الرئاسة ومبادرة منظّمة الأعراف سوى ترجمة لواقع منظومة الحكم الحاليّة القائمة على تحالف أصحاب الثروات وسعيهم للسيطرة على القرار السياسيّ والاقتصاديّ وتكييفه وفق مصالحهم.
إنّ غضّ الطرف عن ضرورة المحاسبة واسترداد حقوق الأفراد والدولة ممن استغلّوا نفوذهم السياسيّ والمالي لإهدار المال العام والتلاعب بمقدّرات المجموعة الوطنيّة لا يمكن اعتباره سوى تشجيعا وتكريسا لتلك الممارسات عبر محاولة الالتفاف على القانون والدستور وطي صفحة من الفساد انكشفت بعض تفاصيلها وفتح صفحة جديدة لن تكون سوى اجترار لما سبقها.
عودة الفساد وتأبيد الاستبداد هو ما أراده شعب القردة المخصية هذا. ولا يمكن لأحد أن يدّعي أنه لم يكن يعلم ما يخبّئه له خرف قرطاج وعصابته من نداء التجمعّ و”رجال عمايل” ماخور البوشماوي آند كو! الديمقراطية تفرض احترام إرادة الشعوب، وشعبنا الحثالة اختار بكامل إرادته أن يداس من جديد بالبوط البوليسي وأن يدفع من قوت أولاده للسرّاق والفاسدين والمرتشين، وكل هذا من أجل ماذا؟ “النمط” و”الوهرة” وهيبة الدولة أي تقريبا لا شيء! تلك إرادته الحرة ويتحمّل كامل نتائجها وليس من حق أي شخص أو منظمة قد سبق وصفّقت للمسرحية الانتخابوية الماضية على أنها انتخابات ديمقراطية، نزيهة وشفافة أن تفتح فمها بكلمة. في كل الأحوال، الديمقراطية كالسكين، لا تعطى للأطفال أو المجانين. وهذا الشعب ليس سوى قاصر الأخلاق والقيم والسلوك، وليس من المفاجىء أن يكون فاسدا، رديئا، ظالما، وقحا كحكامه القدماء/الجدد
دولة_الاستبداد_والفساد_باقية_وتتمدّد
الجماهيرية_التجمّعية_الإسلاموية_البوليسية_العظمى
شعب_الشقاق_والنفاق_ومفاسد_الأخلاق
كما_تكونون_يولّى_عليكم
بن_علي_يليق_بكم
العدالة الانتقالية مستحقة من مستحقات التاريخ “الثورة ” ، لا يمكن لتونس أن تتقدم خطوة واحدة دونه
أحببنا أم كرهنا .