foot-election-2014-tunisie

في أحد تصريحاته قال رئيس الولايات المتحدة السابق هاري ترومان: “أن تصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية أسهل من أن تكون مدرباً لكرة القدم. فقد انتخبت لمدة أربع سنوات، بينما يطرد مدرب كرة القدم بين عشية وضحاها في حال خسارته.” وقد فات ترومان أن يتطرّق إلى مسألة الجمع بين الرياضة والسياسية، هذا الأمر الذي أصبح اختصاصا تونسيا بامتياز، رغم أنّه سبق وأن جمع رياضيون عالميون بين الإثنين. ولأنّ التونسيين أثبتوا منذ ثورة 14 جانفي 2011 جنوحهم نحو الغلوّ والمبالغة فقد اصطف الرياضيون طوابيرا من أجل المشاركة في الإنتخابات التشريعية والرئاسية مستغليّن شهرتهم والقاعدة الجماهيرية لفرق كرة القدم التي ينتمون إليها من أجل ضمان مقعد في البرلمان.

نجحت رياضة كرة القدم في مناسبات عديدة في توحيد شعوب متقاتلة وفي التأليف بين طوائف متنازعة. ففي سنة 2009 أخذ فوز المنتخب العراقي لكرة القدم بلقب بطل آسيا بعدا إنسانيا وسياسيا أشاد به كبار الرياضيين والسياسيين في العالم. ففي تصريح صحفي قال رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر “إن الإنجاز الذي حققه المنتخب العراقي بفوزه ببطولة آسيا يوضح أن كرة القدم لها قدرة كبيرة على توحيد الناس فهي تعزز المشاعر الوطنية لأناس عانوا من الحروب الطائفية لأعوام طويلة.”

ورغم أن التونسيين يرون في دخول الرياضيين الحياة السياسية أمرا مستجدّا فإن العلاقة بين الرياضة والسياسة قديمة حيث حصلت أحداث عديدة عكست تأثير الواقع السياسي على عالم الرياضة أو العكس أحيانا. فبسبب الحربين العالميتين التين جدتا خلال القرن العشرون تعطلت بطولة كأس العالم والألعاب الأولمبية واتّهم موسليني سنة 1934 باستغلال استضافة بلاده إيطاليا لكأس العالم من أجل الدعاية لنظامه الامر الذي فعله هتلر أيضا خلال أولمبياد برلين 1938. ولطالما كانت الرياضة عاملا من عوامل التأثير على القرارات السياسية المحلية والدولية. ففي سنة 1986 قام البطل السوداني عمر خليفة بحمل شعلة الإنقاذ منطلقا من السودان ومتوجها نحو أوروبا وصولا إلى منظمة الأمم المتحدة من أجل التحسيس بما كان يعانيه السودان من جوع وتصحّر وقد تفاعل أكثر من مائتي مدينة في العالم مع عمر خليفة بإقامة الماراطونات المختلفة من أجل مد يد المساعدة للسودان وإفريقيا. وفي فلسطين سجّلت الانتفاضة سقوط خمسون شهيدا من الرياضيين وأكثر من خمسمائة جريح ومن بينهم ماهر عياد وطارق فندو الذين اغتالتهما قوات الإحتلال الاسرائيلي.

كما كانت هذه اللعبة أيضا سببا في تأجيج الصراعات الجهوية والنعرات العنصرية ما من شأنه أي يؤدّي إلى التقاتل بين أبناء الوطن الواحد وهو ما حدث خلال ما يعرف بمباراة بورسعيد في مصر سنة 2012 بين نادي الاهلي والنادي المصري مما أسفر عن مقتل 75 شخصا وجرح أكثر من 200 من مشجعي الفريقين. كرة القدم إذا تفوقت على بقية الرياضات في العالم من حيث قدرتها على التأثير على الشعوب وتحريكها نحو الأفضل أو نحو الأسوء. غير أن ما يحدث في تونس ، فالشعب هو من يحرّك لعبة كرة القدم لصالحه، وهو ما يحدث الآن في ما يعرف باستغلال أحزاب سياسية لأسماء معروفة في عالم كرة القدم من أجل الفوز في الإنتخابات القادمة.

كرة القدم والسياسة: علاقة تاريخية

أعلن ناشطون تونسيون على المواقع الإجتماعية استغرابهم الشديد من غزو رياضيين للساحة السياسية. فالمواطن التونسي اعتاد لعقود طويلة سيطرة أطراف محددة على المشهد السياسي وتغييب بقية مكونات المجتمع من مثقفين ورياضيين والجامعيين عنه (عدا المساندين منهم للنظام السابق). وقد أثار دخول رياضيين سباق الإنتخابات في هذه الفترة إستهجان التونسيين وحيرتهم. وتنبع هذه الحيرة من حق كل تونسي في الترشح للإنتخابات وهو حق يكفله الدستور من جهة، ومن مدى صدق نوايا الشخصيات الرياضية في خدمة البلاد من جهة أخرى، خصوصا أمام تصاعد وتيرة التعليقات على المواقع الاجتماعية بخصوص استغلال أحزاب كبرى لأسماء رياضية وفنية معروفة من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد النيابية على إثر فشل قيادييها سياسيا في استقطاب الناخبين بصفة تلقائية.

ومن الطرائف التي ربّما يتوقف عندها التونسيون كثيرا تاريخية تدخّل الرياضة في الإنتخابات الرّئاسية الامريكية في حادثة تشبه إلى حد كبير ما حصل مؤخّرا بين القيادي السابق في نداء تونس عمر صحابو ورئيس حزب النداء الباجي قايد السبسي. فخلال الثمانينات وأثناء الإنتخابات الرئاسية الامريكية خاطب المرشح ولتير مانديل الشعب الأمريكي قائلا أن منافسه رونالد ريغان (كان عمره انذاك 69 سنة) رجل طاعن في السن ولن يكون قادرا على إدارة شؤون البلاد، وفي ردّه على هذه الإتهامات توجه ريغان إلى مزرعته وأخذ صورا لنفسه وهو بصدد ممارسة الرياضة كي يشثبت للشعل الأمريكي بأنه قادر على ترأس البلاد وقد فاز آنذاك بالإنتخابات الرئاسية.

هذا المثال يعيدنا بقوة إلى ما يحدث الآن في الساحة السياسية من تداخل هجين بين الرياضة والسياسة سواء من خلال استغلال سياسيين لنفوذهم من أجل السيطرة على أندية رياضية كبرى ونيل دعم جماهيرها أو من خلال استغلال رياضيين وخصوصا من نجوم كرة القدم لشهرتهم وعشق الجماهير الرياضية لهم من أجل دخول معترك الحياة السياسية والفوز بمقاعد انتخابية أو من خلال استغلال أحزاب سياسية كبرى لأهم الأسماء الرياضية في البلاد. القاسم المشترك بين كل هذه الممارسات هو غياب الرغبة الجدية في خدمة البلاد والرّكض وراء المناصب من أجل الإستحواذ على السلطة.

نجوم كرة القدم يقتحمون الإنتخابات

تعتبر لعبة كرة القدم من أهم الألعاب الرياضية في تونس. والجماهير التي تتابعها بكثافة وإلى حد التعصب واستعمال العنف في بعض الأحيان أصبحت في وعي البعض أداة جيدة يتم استعمالها من أجل التنافس السياسي. ويمكن التأكيد بداية أن الكمّ الهائل من نجوم كرة القدم من لاعبين سابقين ورؤساء أندية وغيرهم سعوا لاستخدام الرياضة كمنابر دعائية وتناسوا رسالتهم الرياضية النبيلة. الملفت للانتباه أيضا هو تسخير بعض رؤساء الأندية للإمكانيات المتاحة لفرقهم الرياضية من أجل الدعاية الإنتخابية شأنهم في ذلك شأن بعض مشاهير السياسيين في العالم. ونشير هنا إلى مثال شهير في العالم وهو سيلفيو برلسكوني رئيس نادي ميلانو الذي تمكّن بفضل ما يملكه من نادي رياضي عريق وصحف ومحطات تلفزية من الوصول إلى منصب رئيس وزراء إيطاليا.

يمكن اعتبار رئيس حزب الإتحاد الوطني الحر سليم الرياحي برسلكوني تونس. على نفس خطى رئيس الوزراء الإيطالي السابق برز الرياحي بعد ثورة 14 جانفي بطريقة غامضة كرجل ثري جدا تساءل المهتمون عن مصدر ثرواته الطائلة دون الحصول على أية معلومات تذكر. وإثر خسارته الفادحة خلال الإنتخابات السابقة رغم المصاريف الخيالية التي أنفقها على حملة حزبه الإنتخابية قام الرياحي بترأس النادي الإفريقي وهو من أعرق فرق كرة القدم في تونس وقد عرف الفريق في عهده خسارات متتالية. ثم استغل الرياحي الأزمة القانونية والمالية التي مرت بها قناة التونسية ليشتري ذبذبات بثها ثم أصبح من مالكيها. وإثر تحقيقه لأغلب مآربه وشرائه لكل ما يمكنه شراءه من منافذ رياضية وإعلامية هامة عاد الرياحي بقوة ليعلن عن ترشحه للإنتخابات الرئاسية بعد تفوقه على كل المترشحين من حيث عدد إمضاءات التزكية التي بلغت 125 الف إمضاء. ونظرا لمبدأ الإحتكار الذي يغلب على رجال الأعمال التونسيين، وفي لقطة طريفة جدت خلال شهر ماي الفارط، عبّر سليم الرياحي على صفحته الرسمية على الفايسبوك عن استغرابه الشديد من حضور الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي لندوة نظمها أحباء النادي الإفريقي يوم 22 ماي 2014 تحدث فيها الهمامي عن حبه للنادي الإفريقي ومساندته القديمة له. وقد كتب الرياحي تعليقا على هذه الزيارة “استغربت حضور الشخصية الوطنية والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية السيد حمة الهمامي الندوة الذي نظمتها مجموعة من أحبّاء النادي الإفريقي. العجيب هنا أننا لم نلاحظ تواجده في أي من نشاطات فريقه في السابق,، ولم نره في الحديقة يوما يتابع التمارين أو يشجع مجهودات أصناف الشبان… عزيزي حمّة، هناك فرق كبير بين التسيير الرياضي والسياسة، فالعمل على إدارة شؤون النادي الإفريقي جهد يومي و عمل متواصل ,وهو أمر يختلف تماما عن الشّأن السياسي الذي يقتصر أحيانا على إلقاء الخطابات الرنّانة في المناسبات و دغدغة المشاعر في الساحات العامة.” هذه الحادثة الطريفة اكّدت أهمية القواعد الجماهيرية لفرق كرة القدم في تونس في الشأن السياسي ومحاولة السياسيين من مختلف توجهاتهم كسب ودها ودعمها الإنتخابي.

المنصف السلامي رئيس اللجنة العليا للدعم بالنادي الصفاقسي ورجل الأعمال المعروف بجهة صفاقس حذا حذو الرياحي أيضا من حيث محاولته الجمع بين الرياضة والسياسة والإعلام. فإثر شرائه لصحيفة “المغرب” اليومية انضمّ السلامي إلى حزب نداء تونس الذي رشّحه على رأس قائمته انتخابية بصفاقس معوّلا عليه من أجل كسب ودّ الناخبين من أحباء النادي الرياضي الصفاقسي. وإضافة إلى السلامي قام حزب نداء تونس بترشيح رئيس فريق النجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين على رأس قائمة انتخابية بولاية سوسة من أجل الإستحواذ على أصوات أنصار هذا الفريق العريق أيضا. و للرياضة في الجنوب التونسي أيضا نصيب في الإنتخابات القادمة حيث قام حزب النداء باختيار رجل الأعمال والمسير الرياضي السابق بأولمبيك مدنين البشير بن عمر كرئيس قائمة عن حزب النداء بولاية مدنين. هذا وقد كان المدرب الشهير مختار التليلي قد أعلن في وقت سابق إنضمامه ومساندته لحزب نداء تونس الذي رأى فيه حسب تصريحات إعلامية “المنقذ للبلاد من الظلامية.” رجل الأعمال والنائب بالمجلس التأسيسي ورئيس النادي البنزرتي مهدي بن غربية قرر أيضا الترشح من جديد للإنتخابات التشريعية عن حزب التحالف الديمقراطي وقد أكدت قيادات بحزب التحالف لنواة أن بن غربية يعتبر من أهم ممولي الحملة الإنتخابية للحزب.

حركة النهضة أيضا نجحت في استقطاب رياضيين على غرار طارق ذياب الذي انضم إلى حكومة الترويكا بصفته وزيرا للشباب والرياضة غير أن هيئة الإنتخابات رفضت ملف ترشحه للإنتخابات التشريعية القادمة بسبب وروده بعد نهاية الآجال القانونية. كما استبعدت الهيئة الرئيس المتخلي لنادي حمام الأنف عادل الدعداع الذي كان ينوي الترشح ضمن إحدى قائمات حركة النهضة لنفس الأسباب.

كما قام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أيضا باستقطاب اللاعب الدولي السابق فريد شوشان الذي تم ترشيحه بإحدى قائمات الحزب الإنتخابية، وقد عبر شوشان عن رغبته في خدمة البلاد مؤكدا درايته بالشأن الإقتصادي على خلفية عمله كموظف بأحدى البنوك. وفي نفس الإطار قام أيضا المسير السابق لفريق بوقرنين المنجي بحر بالترشح للإنتخابات التشريعية ضمن حزب المبادرة الذي يترأسه كمال مرجان. هذا في حين اختار اللاعب السابق للنادي الصفاقسي ياسين بوشعالة الترشح للإنتخابات التشريعية القادمة ضمن حزب العدالة والتنمية الإسلامي والذي يترأسه عبد الرزاق بالعربي. كما ترشح الخبير في مجال القانون الرياضي شكري بن عيسى الترشح للإنتخابات التشريعية على رأس قائمة مستقلة بولاية سليانة.

الجديد والطريف في الإنتخابات التشريعية لسنة 2014 هو تشكيل رئيس الجامعة التونسية للرياضة للجميع لقائمة انتخابية “رياضية” أطلق عليها اسم قائمة “تونس في العين”. وتضم هذه القائمة اللاعب السابق للترجي الرياضي فيصل بن احمد وزوجة لاعب النادي الافريقي السابق خالد السعيدي ولاعبة كرة اليد منال الكوكي والملاكم السابق صالح الشيحي وغيرهم من الرياضيين وستترشح هذه القائمة الرياضية بولاية أريانة.

رغم فشل لاعبي كرة القدم ورياضيين على غرار الحارس السابق للمنتخب الوطني شكري الواعر واللاعب صابر بن فرج وغيرهم في استقطاب الناخبين خلال الإنتخابات الفارطة إلا أن اقتحام الرياضيين للإنتخابات التشريعية القادمة أصبح ظاهرة ملفتة ومثيرة للتساؤلات. ولئن كان لهؤلاء اللاعبين والمسيرين في خوض النجم الليبيري جورج وياه غمار الإنتخابات الرئاسية في بلاده سنة 2005 مثالا جيدا للإقدام على هذه المغامرة، فإنّ اعتماد بعض مسيري فرق كرة القدم على سلطة المال من أجل الحصول على مناصب سياسية واستغلال الأحزاب السياسية لهذه الرغبات من أجل تعزيز حظوظها في الفوز بالأغلبية البرلمانية جعل من إقحام الرياضة في السياسة نوعا جديدا من “الفساد” الذي من شأنه أن يشوه العملية الإنتخابية ويفقدها بعضا من مصداقيتها.