essid-essebsi-BCE-tunisie-2015

بدأ المشهد السياسي ” الجديد” في التبلور بعد أن حدّدت الإنتخابات التشريعية والرّئاسيّة هويّة الأطراف السياسية التي ستحكم تونس خلال الخمس سنوات القادمة. فإثر فوزه في الإنتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة كلّف حزب نداء تونس السيد الحبيب الصيد بمهمّة ترؤّس الحكومة في انتظار تعيين بقيّة أعضائها في الأسابيع القادمة.

الحبيب الصّيد، رغم تقلّده عديد المناصب السياسية سابقا تحت نظام بورقيبة و بن علي و حكومات ما بعد الثورة، حظي بمباركة حزبي نداء تونس وحركة النهضة. إلا أنّه قوبل برفض شديد من طرف عدد هام من الأحزاب السياسيّة ومن شريحة هامة من التونسيين الذين استنكروا قيام حزب نداء تونس بتعيين أحد رموز النظام السابق على رأس حكومة منتخبة ديمقراطيا.

ويعتبر تعيين حزب النداء لرئيس حكومة من خارج إطاراته الحزبية أمرا مثيرا للتّساؤل خصوصا فيما يتعلّق بكيفية تمتّع الصيد بالصلاحيات التي يكفلها له الدّستور بعيدا عن التجاذبات السياسية وعن ضغوط وتوجيهات الحزب الفائز الذي كلّفه بهذه المهمة. وهنا يجدر التّذكير بتوزيع الصلاحيات بين المؤسسات الحاكمة الثلاث وهي : السلطة التشريعية، أي مجلس نواب الشّعب الذي حصل حزب نداء تونس وحلفائه على الأغلبية به، والسّلطة التنفيذيّة أي مؤسستي الحكومة بقيادة الحبيب الصيد ورئاسة الجمهورية التي فاز بها الباجي قائد السبسي.

صلاحيات معدّلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

مجلس نواب الشعب برئاسة محمد الناصر وبأغلبية عددية لحزب نداء تونس وحلفائه

يختص مجلس النواب بجملة من المهمات التشريعية خصوصا وهي كالآتي:

المبادرة التشريعية بتقديم مقترحات قوانين من عشرة نواب على الأقل، المصادقة بالأغلبية المطلقة لأعضائه على مشاريع القوانين الأساسية، وبأغلبية أعضائه الحاضرين على مشاريع القوانين العادية، على ألاّ تقل هذه الأغلبية عن ثلث أعضاء المجلس. كما يقوم مجلس نواب الشعب بالمصادقة على مشاريع قوانين المالية وغلق الميزانية طبق الشروط المنصوص عليها بالقانون الأساسي للميزانية.

ومن مهام المجلس النيابي أيضا الموافقة على المعاهدات التجارية والمعاهدات المتعلقة بالتنظيم الدولي أو بحدود الدولة أو بالتعهدات المالية للدولة أو بحالة الأشخاص أو بأحكام ذات صبغة تشريعية. كما يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك.

رئيس الجمهوريّة: الباجي قائد السبسي عن حزب نداء تونس

يتولّى رئيس الجمهورية تمثيل الدولة ويختص برسم السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد إستشارة رئيس الحكومة. ويمكن لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور.

ويكلف رئيس الجمهورية أيضا برئاسة مجلس الأمن القومي ويدعى إليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، القيادة العليا للقوات المسلحة، إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة، على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما، كما يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات اتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، والإعلان عنها، المصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها، إسناد الأوسمة والعفو الخاص.

كما يقوم رئيس الجمهورية بجملة من التعيينات ومن بينها : تعيين مفتي الجمهورية وإعفائه، التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي. كما يقوم رئيس الجمهورية بتعيين محاظ البنك المركزي بعد مصادقة الأغلبية المطلقة لمجلس النواب.

ولرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية.

كما يقوم رئيس الجمهورية أيضا بختم القوانين والإذن بنشرها بالرائد الرسمي ويمكنه أيضا أن يعرض على الإستفتاء مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات أو بالحريات وحقوق الإنسان أو بالأحوال الشخصية.

ويرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وجوبا في مجالات الدفاع، والعلاقات الخارجية، والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وله أن يحضَر ما عداها من مجالس وزراء. وعند حضوره يرأس المجلس.
كما يمكن لرئيس الجمهورية سن مشاريع قوانين وعرضها على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليها.

الحكومة: برئاسة الحبيب الصيد والذي تم تعيينه من طرف حزب نداء تونس

يضبط رئيس الحكومة السياسة العامة للدولة، ويسهر على تنفيذها. وله الحق في إحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء. وتسهر الحكومة على تنفيذ القوانين.

ومن مهامه أيضا إقالة عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة أو البت في استقالته، وذلك بالتشاور مع رئيس الجمهورية إذا تعلق الأمر بوزير الخارجية أو وزير الدفاع، إحداث أو تعديل أو حذف المؤسسات والمنشآت العمومية والمصالح الإدارية وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزراء، باستثناء تلك الراجعة إلى رئاسة الجمهورية فيكون إحداثها أو تعديلها أو حذفها باقراح من رئيس الجمهورية.

كما يقوم رئيس الحكومة بإجراء التعيينات والإعفاءات في الوظائف المدنية العليا. وتضبط الوظائف المدنية العليا بقانون. ويتصرف رئيس الحكومة في الإدارة، ويبرم الاتفاقيات الدولية ذات الصبغة الفنية.

يمارس رئيس الحكومة السلطة الترتيبية العامة، ويصدر الأوامر الفردية التي يمضيها بعد مداولة مجلس الوزراء. وتسمى الأوامر الصادرة عن رئيس الحكومة أوامر حكومية. يتم الإمضاء المجاور للأوامر ذات الصبغة الترتيبية من قبل كل وزير معني.

يتولى رئيس الحكومة تأشير القرارات الترتيبية التي يتخذها الوزراء.

يمكن لرئيس الحكومة سن قوانين وعرضها على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليها. ويختص رئيس الحكومة بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية.

إمكانيات هيمنة التغوّل الحزبي على الرقابة الدستورية

عمل أعضاء المجلس التأسيسي الذين قاموا بصياغة الدستور على توزيع المهام والصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يضمن التوازن بينهما. ومن بين التحديات التي واجهها كاتبو الدستور الجديد هي خلق منظومة دستورية رقابية تمنع انفراد أحد أطراف السلطة بالحكم، من خلال وضع فصول دستورية زجرية تمكن مجلس نواب الشعب من إقالة رئيس الجمهورية أو الحكومة أو تمكن رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب. هذا بالإضافة إلى اقتناع أغلب أعضاء المجلس التأسيسي المنحل بنجاحهم في توزيع الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بطرية متوازنة تضمن عدم احتكار أي طرف للقرارات والإجراءات الهامة والأساسية. غير أنّ فوز حزب نداء تونس بالإنتخابات التشريعية والرئاسية وضع كل هذه التوازنات الدستورية محل تساؤل، نظرا لأن كل الصلاحيات ستكون بيد القائمين على هذا الحزب مما يجعل من مسألة الرقابة بين السلطات أمرا مشكوكا في جدواه.

ولمزيد الاستيضاح حول مسألة التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كان لنواة حديث مع أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك الذي أكّد أن « المقارنة في مسألة الصلاحيات تهم بشكل أساسي السلطة التنفيذية المكونة من رئاسة الجمهورية والحكومة وذلك نظرا للطابع التشريعي لمجلس نواب الشعب.» و أضاف مبارك أنّه

حسب الدستور الجديد فإن صلاحيات رئيس الحكومة تعتبر أهم وأوسع من صلاحيات رئيس الجمهورية بالنظر إلى تكليفه بمهمة وضع وتنفيذ السياسة العامة للدولة باستثناء ما يتعلق منها بالسياسة الخارجية والدفاع التي أوكلت مهمة تسيرها لرئيس الجمهورية. غير أنه، ورغم أن المساعي تدفع نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية فإنّ الحكومة القادمة ستبقى تحت وصاية الأغلبية البرلمانية التي تمتلك صلاحية إقالتها. ونظرا لأن مرشّح الحزب الحائز على الأغلبية في البرلمان قد فاز برئاسة الجمهورية، فإنّ الحكومة ورئيسها سيكونان حتما تحت سيطرة رئيس الجمهورية وهو زعيم الحزب الفائز. وهنا يمكن التأكيد بأن مسألة الصلاحيات التي تم التنصيص عليها في الدستور ستبقى رهينة قرارات سياسية أحادية للحزب الفائز وزعيمه.

وتتمثل الرقابة التي يفرض الدستور تواجدها بين مجلس نواب الشعب والحكومة ورئاسة الجمهورية في جملة من الإجراءات هي أساسا:
تمكين مجلس نواب الشعب من حل الحكومة:

يمكن التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة، بعد طلب معلل يقدم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث الأعضاء على الأقل. ولا يقع التصويت على لائحة اللوم إلا بعد مضي خمسة عشر يوما على إيداعها لدى رئاسة المجلس. ويشترط لسحب الثقة من الحكومة موافقة الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس.
الفصل 88

أو إقالة رئيس الجمهورية:

يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معللة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه، وفي هذه الصورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدستورية للبت في ذلك بأغلبية الثلثين من أعضائها. ولا يمكن للمحكمة الدستورية أن تحكم في صورة الإدانة إلا بالعزل.
الفصل 97

أو منح رئيس الجمهورية الحق في حل مجلس النواب:

يتولى رئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور.
الفصل 77

وقد وضّح بن مبارك أنّ « هذه المنظومة الرقابية باتت بعد جمع حزب واحد لكل السلطات غير ذات جدوى فمن غير المعقول أن يقوم حزب أغلبي بإقالة زعيمه كما أنه من غير المنطقي أن يقوم رئيس الجمهورية بحل مجلس نيابي حصل حزبه فيه على الأغلبية. » كما ذكر محدثنا أن « سيطرة حزب واحد على مقاليد السلطتين التشريعية والتنفيذية سينعكس على تركيبة المحكمة الدستورية التي سيساهم البرلمان في تعيين أربعة من أعضائها وسيقوم رئيس الجمهورية وهو زعيم الحزب الفائز في البرلمان بتعيين أربعة أعضاء أيضا ليقوم القضاة بانتخاب الأعضاء المتبقين وعددهم أربعة أيضا. وبالتّالي فإنّ أغلب أعضاء المحكمة الدستورية سيتم تعيينهم بقرار من الحزب الحاكم أي حزب نداء تونس. »

من جهة أخرى وضّح أستاذ القانون الدّستوري شوقي غداس لنواة أنّ « الحديث عن سيطرة حزب واحد على جميع الصلاحيات وتغوله في مسألة القرارات والتعيينات أمر غير منطقي نظرا لأنّ اتخاذ القرارات في مختلف المجالات يخضع إضافة إلى احترام ما جاء في الدّستور إلى المسؤولية القانونية والسياسية للهيئات الدستورية التي سيتم تشكيلها لاحقا والتي يطلق عليها تسمية “السلطة المضادة”. وتعتبر المحكمة الدستورية من أهم الهيئات التي ستعمل على حماية البلاد من تغول أي طرف سياسي أو محاولة أي حزب التلاعب بالدستور لصالحه. »

وبخصوص دور حزب نداء تونس في تشكيل هذه المحكمة الدستورية بتعيينه لأغلب أعضائها وإمكانية أن تكون هذه التعيينات مشروطة بإعلان الولاء للحزب، أجاب غديس بأنّ « بناء اليمقراطيات لا يكون فقط من خلال النصوص القانونية والدستورية، بل يخضع أساسا إلى رغبة القائمين على تفعيلها في خدمة البلاد بجدية ونزاهة، وبالتالي فإن الحكم على النوايا بطريقة استبقاية والتخوف من إمكانيات خرق الدستور واستعمال الصلاحيات لأغراض حزبية وخاصة هو أمر غير مقبول. وهنا على التونسيين انتظار تشكيل الهيئات الدستورية وشروع الحكومة ورئاسة الجمهورية في تطبيق سياساتهم حتى يمكن تقييم التمشي السياسي للحزب المنتخب وحلفائه. ويبقى للتونسيين من مواطنين فاعلين وصحفيين وإعلاميين ومجتمع مدني حق التصدي لأيّة إخلالات من شأنها أن تضر بالمسار الديمقراطي الذي نجحت تونس في انتهاجه. »