لم ينف رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر إمكانية عقد ندوة برلمانية استثنائية للنظر في جملة من مشاريع القوانين، ومن المنتظر أن يجتمع مكتب المجلس غدا الخميس لضبط جدول أعمالها. وتأتي الدعوة لهذه الدورة إثر مبادرتين متزامنتين تقدّمت بهما كتلتي حركة النهضة ونداء تونس يوم الجمعة الفارط على هامش التصويت لمنح الثقة لحكومة يوسف الشاهد.

الصفحة رقم 20 من رسالة النوايا التي بعث بها وزير المالية السابق ومحافظ البنك المركزي في 2 ماي 2016 إلى ”كريستين لاغارد“ المديرة العامة لصندوق النقد الدولي

الدورة الاستثنائية المُزمع عقدها أواخر شهر سبتمبر يصفها مسؤولون في نداء تونس وحركة النهضة بـ”الضرورية لإسناد الحكومة الجديدة“، من خلال التسريع بالمصادقة على حزمة من القوانين من بينها قانون مجلة الاستثمار. ولعل هذا القانون يرتبط بالتزامات دولية سابقة تعهّدت بها حكومة الحبيب الصيد لم تتم المصادقة عليه بسبب الخلافات بين كتل الإئتلاف الحاكم. ومن هذا المنطلق فإن التسريع بنقاشه في دورة استثنائية تلتئم للغرض يعكس ارتهان نَسق العمل البرلماني لطبيعة الموازنات داخل الكتل الحاكمة، علاوة على خضوعه للضغوطات الخارجية والالتزامات الدولية.

ennahdha-session-projets-loi

مجلة الاستثمار بين حسابات الداخل وضغوطات الخارج

بضمان من الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت تونس في 3 جوان الفارط قرضا رقاعيا بالسوق المالية العالمية قيمته 500 مليون دولار. ومن ضمن شروط الضمان الأمريكي إلزام الطرف التونسي بالمصادقة على مجلة الاستثمار ونشرها بالرائد الرسمي في اجل لا يتجاوز 30 سبتمبر 2016. وفي نفس السياق كشفت رسالة النوايا التي بعث بها وزير المالية السابق ومحافظ البنك المركزي في 2 ماي 2016 إلى كريستين لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، استعداد الدولة التونسية للتسريع بوضع الإطار القانوني للاستثمار من خلال مجلة الاستثمارات.

رغم أن لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس النواب شرَعت في دراسة مشروع القانون منذ شهر مارس الفارط، فإنه لم يتم المصادقة عليه. ويبدو أن تعارض المصالح داخل الإئتلاف الحاكم السابق عطلت تمرير مشروع القانون، خصوصا وأن النقاش حوله تأثر ببوادر التصدع داخل الائتلاف الحاكم التي تمظهرت في العديد من الجوانب من بينها رفض كتلة آفاق تونس في 13 أفريل 2016 التصويت لفائدة قانون النظام الأساسي للبنك المركزي، وهو ما جعل بقية الكتل الحاكمة ترد الفعل بتعطيل قانون مجلة الاستثمار الذي تقدمت به وزارة الاستثمار والتنمية والتعاون الدولي التي يتقلدها ياسين ابراهيم رئيس حزب آفاق تونس. وقد لعبت كتلة حركة النهضة دورا كبيرا في عملية التعطيل.

بعد إعادة تشكيل الخارطة الحكومية وفقا لموازنات ومواقع جديدة، عادت حركة النهضة ونداء تونس للمطالبة بالتسريع بقانون مجلة الاستثمار، مُبرّرين ذلك بضغط الأوضاع الاقتصادية و”دفع عجلة الاستثمار“. وقد اقترن هذا التسريع في نظر رئيس كتلة نداء تونس سفيان طوبال بإنجاح الندوة الدولية للاستثمار التي ستلتئم في تونس أواخر شهر نوفمبر القادم، وتعتبر الندوة المذكورة من بين المشاريع التي أعدّها وزير الاستثمار السابق ياسين ابراهيم بالتتنسيق مع الهيئات المالية والاقتصادية العالمية من أجل الترويج لانفتاح تونس على الاستثمار الخارجي.

إزاء النزعة الاستعجالية التي قادت حركة النهضة ونداء تونس للدفع بدورة برلمانية استثنائية أكد فتحي الشامخي، النائب عن الجبهة الشعبية وعضو لجنة المالية لموقع نواة ”إن هذا الإصرار لا ينم عن صدق في التعاطي مع الملف الاقتصادي بقدر ما يعكس توجهات دعائية للتسويق لصورة الأحزاب الحاكمة لدى الجهات الخارجية المانحة“. وأضاف الشامخي ”رغم أن الجبهة الشعبية كانت أول المعارضين لمضمون مجلة الاستثمار فإن أول من عطل نسق النقاش حوله هما حركة النهضة ونداء تونس“. من جهته بيّن غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي لموقع نواة أن ”قانون مجلة الاستثمار يُعتبر من ترِكة حكومة الحبيب الصيد التي تصفها النهضة والنداء قبل غيرهم بالفشل، وهو مشروع قانون صِيغ على مقاس وزير الاستثمار السابق“. هذا وأشار الشواشي إلى أن ”القانون لا يحظى بإجماع جل الكتل البرلمانية ولقِي انتقادات واسعة من الخبراء ومنظمات المجتمع المدني“.

حركة النهضة: التعاطي النفعي مع خطاب الشاهد

رغم أن العديد من المتابعين والنواب يرجّحون صعوبة المصادقة على أربع مشاريع قوانين في الفترة الممتدة بين 19 و30 سبتمبر المقبل مثلما ورد في العريضة التي تقدمت بها حركة النهضة، فإن رئيس الكتلة نور الدين البحيري أشار في تصريح لموقع نواة أن ”الدورة البرلمانية الاستثنائية بالإمكان أن تكون كافية لمناقشة القوانين الأربعة“. وأضاف البحيري بأن ”المبادرة التي تقدت بها حركة النهضة تنسجم مع خطاب يوسف الشاهد أمام البرلمان الذي دعى فيه الكتل البرلمانية إلى تسهيل عمل حكومته من خلال التسريع بالمصادقة على حزمة من القوانين“. وبخصوص التشاور مع كتلة نداء تونس حول جدول الأعمال الذي اقترحته حركة النهضة للندوة البرلمانية فقد أكد محدثنا أن نواب النداء اطلعوا على العريضة وأبدوا موافقتهم الأولية.

حسب تصريحات رئيس كتلة حركة النهضة -ومن خلال مشاريع القوانين المقترحة في جدول أعمال الدورة الاستثنائية- فإن الحركة تسعى إلى التعاطي النفعي مع خطاب يوسف الشاهد عبر التقاط أجزاءه التي تتقاطع مع مصالح الحركة. ويظهر هذا على الأقل من خلال اقتراح القانون المتعلق بالانتخابات والاستفتاء على رأس جدول الأعمال، إذ علل رئيس كتلة الحركة هذا الترتيب بـ”تدهور المرفق البلدي الذي عبّر عنه رئيس الحكومة الجديد باستفحال ظاهرة التلوث وانعدام مقومات النظافة“، وفي نفس الوقت لم يخف محدثنا أن الهدف من هذا القانون تحديد موعد الانتخابات البلدية القادمة. وفي هذا السياق تسعى حركة النهضة إلى التحكم في الأجندا الانتخابية معولة في ذلك على عدم جهوزية منافسيها وعلى رأسهم نداء تونس. بالإضافة إلى هذا تسعى حركة النهضة من خلال مقترح تعديل النظام الداخلي إلى إعادة هندسة المشهد البرلماني على ضوء موازين القوى الجديدة، وبالتالي مراجعة تمثيلية الكتل في اللجان القارة واللجان الخصوصية وفي كتابة المجلس.