أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد في زيارته التي أجراها يوم الخميس 27 أفريل إلى تطاوين عن إحداث معتمدية بني مهيرة وذلك ضمن جملة من القرارات لاحتواء الأزمة التي تغطّي عدد من المناطق بالجهة. الاحتجاجات انطلقت منذ شهر مارس الفارط وتصاعدت في  الأسابيع الأخيرة حيث أغلق المحتجّون معبر الذهيبة الحدودي رافعين شعارات التنمية والتشغيل والتمييز الإيجابي لصالح أهالي الجهة وشبابه العاطل عن العمل. وقد جاءت زيارة يوسف الشاهد اثر تنظيم قوافل اعتصام في الكامور، وإعلان الإضراب العامّ بالجهة.

الشاهد الذي تحوّل مرفوقا بوفد وزاري، وانطلق من بني مهيرة معلنا إحداث المعتمدية قوبل برفض الأهالي الذين تمسّكوا بشعار “الرخّ لا“، بل اعتبروا هذا القرار محاولة من محاولات التفرقة التي تعتمدها الحكومة لإضعاف صوت المحتجّين وكسر وحدة صفّهم. كما استنكر عدد من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي تهافت البعض بالتهليل والتصفيق اثر الإعلان عن القرار مشدّدين على أنّ أهالي المنطقة متمسّكون بالمطالب التنموية التي تجمع كافّة المناطق بالجهة، ويرون في الاستجابة المتأخّرة لمطلب إحداث المعتمدية ببني مهيرة تضليلا لأبناء القرى الذين لم تطالهم السلطة سوى بالتهميش والإقصاء والتقسيم غير العادل للثروات.

هذا واستفزّ القرار عددا من المختصّين، الذين اعتبروه ورقة أريد بها باطل، كما حذّر العديد من النشطاء من الانسياق وراء “فخّ التفتين والتفرقة”. في هذا السياق عبّر حمزة مدّب، الباحث في علم الاجتماع، في تصريح لنواة عن استغرابه من هذا القرار، الذي اعتبره محاولة يائسة لتشنيج الحسّ العروشي، وقرار “رديء” للدولة باللعب على العصبيات العروشية في وقت الأزمة، مفسّرا أنّ مثل هذه السياسات ليست جديدة بل هي نهج سياسي متواصل منذ بورقيبة في التعامل مع الجهات الداخلية وإدارة الخصوصيات الاجتماعية للتحكّم في المجال.

هذا وقد تعرّضنا في مقال سابق إلى قراءة في معاني التقسيم الإداري والنهج المركزي في التعامل مع الأطراف والخاضع للمحدّدات السياسية  قبل كلّ شيء. فلطالما عمدت الدولة من خلال بعض القرارات المتفرّقة إلى تحوير الحدود الترابية للوحدات الإدارية وفق سياقات سياسية وتاريخية ظرفية لا تعكس إعادة نظر جدّية في التقسيم الترابي والإداري بالبلاد. ولم تنجح هذه السياسات العامّة في تحسين الوضع بالمناطق الداخلية، بالعكس تجلّت أساسا كأداة للتعبئة الحزبية من جهة، والتي تفشّت على مختلف مستويات السلطة من مراكز الولايات نحو المعتمديات ثم العمادات: فمثلا ارتفع عدد المعتمديات في الوسط والجنوب وفق تركّز الحزب الحاكم بين 1960 و1969. وتجلّت كذلك كورقة لقمع أي قوّة محلية أو سلطة مضادة ولتفكيك الوحدات القبلية وإعادة تقسيمها ضمن وحدات إدارية، مثل تقسيم الساحل إلى ثلاث ولايات وهي المنستير والمهدية وسوسة اثر فشل التجربة التعاضدية، وإحداث ولايات قبلي وتوزر وتطاوين اثر الهجوم المسلّح على قفصة في جانفي 1980، وتقسيم ولاية تونس الكبرى إلى 3 ولايات وهي أريانة وتونس وبن عروس بعد ثورة الخبز في 1984.

قرار الشاهد بدا واضحا أنّه ليس استجابة “متأخّرة جدّا” لمطلب محلّي بقدر ماهو قرار سياسي ليس جديدا من نوعه في التعامل مع الجنوب بالتحديد بمنطق “فرّق تسدّ” علّه يخفّف من حدّة الأزمة الاجتماعية في تطاوين.