حسب ما أكده محامي الدفاع عن عائلة أحمد بن عمارة الأستاذ التومي بن فرحات، فإنّ المُتّهمين الخمسة في هذه الواقعة، وهم أربعة أمنيين من بينهم رئيس فرقة الشرطة العدلية ورئيس مركز الشرطة بمنطقة الجيارة ومتهم آخر مدني، يُواجهون تهما تتعلق بالقتل العمد والارتشاء وإجبار شاهد على شهادة زور. وترتقي عقوبة القتل العمد في القانون التونسي إلى الإعدام حسب الفصل 201 من المجلّة الجزائيّة، فيما يترتّب عن الرّشوة خطيّة ماليّة تصل إلى 5 آلاف دينار وعقوبة سالبة للحريّة قدّرتها المجلّة الجزائيّة بخمس سنوات سجن.

محاولات تحصين المتهمين من المحاسبة

لم يكن من السهل إصدار بطاقة الايداع بالسّجن في حق أحد المتهمين من قبل قاضي التحقيق، بل جاء ذلك بعد أشهر من محاولات تحصين المتهمين من العقاب وضمان عدم تتبعهم قضائيا، خاصة بعد الرواية الرسمية للنيابة العمومية بمحكمة تونس 2 التي أوردت بعد الحادثة بأيام على لسان المتحدث باسمها أن

جثة أحمد لم تكن تحمل آثار عنف شديد وفق المعاينة الأولية وأن الشبهة تتجه إلى أن الهالك قد استهلك مواد مخدرة لطمس الدليل ضده.

نفس هذه الرواية تبناها لسان الدفاع عن المتهمين المحامي بلال التازني الذي صرح بأن أحمد عمارة قد تمكن أثناء عملية إيقافه من ابتلاع خمس حبيبات بلاستيكية تحتوي مادة الكوكايين للتخلص منها وهو ما أدى إلى وفاته.

وجاءت بطاقة الإيداع في حق رئيس المركز بعد صدور تقرير الطيب الشرعي الذي لم يكن حاسما في إبراز سبب وفاة أحمد بن عمارة، حيث قدم التقرير عدة احتمالات لأسباب الوفاة التي قد تكون نتيجة الاختناق بسبب الإصابات على مستوى القفص الصدري أو بسبب ابتلاع كمية من الكوكايين أو مواد مخدرة أخرى أو نتيجة لسكتة قلبية. وعبر محامي عائلة أحمد بن عمارة عن استغرابه من

هذا التقرير الطبي الغريب والذي يُعد سابقة في تونس حيث تضمن احتمالات وفرضيات دون أن يحسم في أسباب الوفاة مع أنه تقرير طبي يخضع لمعايير علمية دقيقة.

القضاء مسؤول على تكريس الإفلات من العقاب

وفاة أحمد بن عمارة لم تكن حالة معزولة في ذلك الوقت، بل سبقتها حالات خطيرة أخرى مثل وفاة الشاب عبد السلام زيان بعد حرمانه عمدا من تناول جرعة الأنسولين عندما تم إيقافه بسبب خرقه لحظر التجول بمدينة صفاقس. كما جدت قبلها حالات أخرى، خلال السنة المنقضية، على غرار سحل الطفل القاصر بسيدي حسين وتعريته وحرق خصية شاب موقوف في ولاية المنستير وغيرها من الأحداث التي تعرض فيها مواطنون إلى عنف أمني وتعذيب وإهمال ومنها حالات وصلت حد الوفاة. وما ميز تلك الفترة هو سياسة النفي والإنكار والهروب إلى الأمام التي اتبعتها وزارة الداخلية، ويذكر الجميع كيف صرح المتحدث باسم إدارة الأمن الوطني السابق بأن الشاب القاصر في سيدي حسين كان في حالة سكر واضح وتعمد تعرية نفسه أمام دورية الشرطة “في حركة استفزازية”، قبل أن يؤكد فيديو نشره أحد المواطنين أن عناصر الدورية هم من قاموا بسحل القاصر وتعريته بالقوة.

ونفس هذه السياسة ساهمت في تعطيل ملف أحمد بن عمارة حيث اتُهم هذا الأخير بابتلاع مادة الكوكايين لتبرئة نفسه، في حين تتحدث أقوال الشهود عن ممارسة عنف شديد ضده أثناء وبعد عملية إيقافه. ولم يثمل أفراد الشرطة أمام قاضي التحقيق إلا بعد اطمئنانهم لأن مسار القضية سيكون في صالحهم حسب ما أكده الأستاذ التومي بن فرحات.

من جهته ذكر نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بسام الطريفي أن غالبية القضايا التي يُحاكم فيها أمنيون تجد دائما سبيلا للإفلات من العقاب بتواطؤ من الداخلية والقضاء، معتبرا أن

هذا الموضوع استفحل كثيرا في تونس وتوفر الدولة رسميا حصانة كاملة للمعتدين ولا تقدمهم للعدالة وهناك العديد من الجرائم يتسبب فيها أمنيون وأعوان سجون وحرس وطني من استهداف وتعنيف وتعذيب لكن هذه الملفات تُركن في الرفوف ولا يتحرك فيها القضاء الذي تحول إلى شريك في استشراء ظاهرة الإفلات من العقاب.

و رغم رصد العديد من حالات الموت المستراب منذ 2011، لم نسمع بحكم ينصف ضحايا القتل والتعذيب والإهمال، خاصة لما تكون الاجهزة الرسمية ووزارة الداخلية في قفص الاتهام. من وليد دنقير إلى عمر العبيدي وعبد السلام زيان وأحمد عمارة وغيرهم من ضحايا العنف لا يزال ذووهم يرابطون أمام المحاكم لمتابعة قضايا أبنائهم ومحاسبة المجرمين.