مع اقتراب منعرج رئاسيات 2024، كثفت الشعبوية من اعتماد الزيارات الفجائية. زيارات كشف تكرارها بمضامين هزيلة خدمتها لصورة البطل الخارق، ليقتدي المريدون بنهجه المشهدي.

مع اقتراب منعرج رئاسيات 2024، كثفت الشعبوية من اعتماد الزيارات الفجائية. زيارات كشف تكرارها بمضامين هزيلة خدمتها لصورة البطل الخارق، ليقتدي المريدون بنهجه المشهدي.
نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة التونسية بعد اجتماع مجلس الوزراء في 21 مارس 2024، منشورا لتذكير التونسيّين بإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إنجازات تبدو ماثلة فقط في أذهان رئيس الحكومة وفريقه ومنفصلة تماما عن واقع التونسيّين المرير وما تعكسه مختلف المؤشرات الاقتصاديّة والمالية من حاضر قاتم ومستقبل مجهول.
من أقصى الجنوب إلى قلب العاصمة، يواصل الرئيس زياراته الفجائية في العشر الأوائل، متفوقا على الإنتاج التلفزي الرمضاني في نسب المشاهدة وفي تصدر مشهد لا ينازعه في بطولته أحد.
تسميات واقالات، تمديد وراء التمديد وتنقيح يلي التنقيح ولم تحصل لجنة الصلح الجزائي مليارات المليارات التي بشر بها الرئيس. فشل لم تفلح الشعبوية في اخفائه رغم بحثها عن أكباش فداء جدد سنة الانتخابات الرئاسية.
بعد سنتين من تنصيب المجلس التشريعي، بقيت مبادراته التشريعية محدودة لم تمسّ جوهر الحقوق والحريات، إذ كان من المنتظر مراجعة التشريعات الزجرية وتعزيز منظومة الحقوق والحريات وتسجيل مواقف إزاء القضايا العادلة، إلا أنّه فضل الاختباء وراء ظلّ قصر قرطاج.
بدت لحظة 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من عدوان همجي ووحشي على الشعب الفلسطيني، فرصة تاريخية ليصبح تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني واقعا ونصّا قانونيّا مُعتمدا. إلاّ أنّ الأيام كشفت كيف التفّت السلطة على هذا المطلب الشعبي الذي استغلّه الرئيس قيس سعيّد خلال حملته الانتخابية وإبّان الأيّام الأولى للعدوان على غزّة.
لم يكن تولّي الجيش القيام بأشغال تهيئة المسبح البلدي في ساحة باستور في 16 فيفري 2024، سوى امتدادا لسياسة لم يبتدعها رئيس الجمهورية قيس سعيّد وإن تكثّفت في عهده. إذ استدعى مختلف حكّام تونس منذ جانفي 2011 الجيش لتعويض قصور الإدارة المدنية أو الوزارة أو استكمال المشاريع المعطّلة. هروب إلى الأمام يعكس عجزا عن الإصلاح أو التوجّه إلى الأسباب الحقيقية وراء تدهور أداء مختلف أجهزة الدولة والتي فاقمت من معاناة المواطنين في مختلف القطاعات.
بحلول شهر فيفري 2024، يكون قد مر عام بأكمله على سجن عدد من القيادات السياسية المعارضة للرئيس قيس سعيد بتهمة التآمر على أمن الدولة. سنة اجتهدت فيها السلطة لمنع التداول الإعلامي في القضية والتضييق على محامي الدفاع عن المتهمين.
صادق البرلمان التونسي، مساء 6 فيفري 2024، على قانون الفصل الواحد المتعلق بالاقتراض الاستثنائي من البنك المركزي. قرض قيمته 7 مليار دينار يسدد على 10 سنوات دون فوائد. رغم التطمينات الحكومية فإن العملية تخفي مخاطر اقتصادية قد تنتج مزيدا من الاحتقان المجتمعي.
ثبتت محكمة الاستئناف بالمنستير الحكم الصادر في حق الشاب رشاد طمبورة القاضي بسجنه سنتين، على خلفية رسمه غرافيتي ينتقد تصريحات الرئيس قيس سعيد المتعلقة بالمهاجرين أصيلي جنوب الصحراء الافريقية.
في الوقت الذي يتصيد فيه التونسيون علبة حليب وقليلا من السكر، ارتفعت وتيرة قضايا التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وحافظت لخبطة الحكم الفردي على سياسة الهروب إلى الامام والتضارب بين القول والفعل.
في مستهل سنة الانتخابات الرئاسية، إن شاء الرئيس، يحتدم التنافس بين قيس سعيد الرئيس الحالي وقيس سعيد المرشح للرئاسة. واقع ترجمه سجن وتتبع القضاء المستقل لكل من سولت له نفسه، الأمارة بالسوء، المنافسة على كرسي العرش.
في الذكرى 13 ليوم 14 جانفي 2011، يكاد هذا التاريخ أن يتحول إلى يوم عادي، بعد تتالي الخيبات من قصر قرطاج والفشل الذريع في حماية الثورة من مخاطر الارتداد نحو التسلط والاستبداد.
يوم 3 جانفي 2024 تكون قد مرت 40 سنة على انتفاضة الخبز، بعد الترفيع الفجائي في سعر السميد والعجائن ب 110 بالمائة، ما تسبب في غضب شعبي جابهته السلطة برصاص البوليس والجيش وتعلمها الاحداث طرقا أمكر في رفع الدعم التدريجي والمقنَع.
كسابقاتها من السنين الماضية، تواصل خلال سنة 2023 تدهور المؤشرات الاقتصادية بنسبة نمو بلغت 0.2-% وعجز تجاري تجاوز سقف 600 مليون دينار ومديونية خارجية فاقت 12 مليار دينار. إلاّ أنّ ما ميّز هذه السنة بالذات هو تواتر مشاهد الرفوف الخاوية في الفضاءات التجارية وانقطاع عدد من المواد الاستهلاكية. وضع جعل الناس تتدافع وتتصارع للظفر بكيس من السكّر أو علبة حليب. أمّا السلطة، فتواصل سياسة الانكار والاستنجاد بشمّاعة التآمر والاحتكار.
بدا المشهد باهتا في شارع الحبيب بورقيبة في الذكرى 13 للثورة التونسيّة التي أرّخها رئيس الجمهورية قيس سعيد ب17 ديسمبر بدل 14 جانفي، رغم تغيّبه عن فعاليات الاحتفال بها في مدينة سيدي بوزيد. مشهد يعكس حالة الخواء السياسي واشتداد الأزمة الاقتصادية التي اعتصرت جيوب التونسيّين والتونسيّات نتيجة الخيارات الاقتصادية لمختلف الحكومات ما قبل وما بعد 25 جويلية 2021. وضع شغل الناس عن تحقيق أهداف الثورة وشعاراتها الكبرى مقابل البحث عن علبة حليب أو كيس سكّر.
أربعة أشهر بعد التنصيب المفاجئ لأحمد الحشاني رئيسا للحكومة، بدأت الخصال المطلوبة في الطامحين إلى كرسي القصبة بالتشكل في أذهان التونسيين. خصال لم تمنع الطلعات الإعلامية الشحيحة لرئيس الحكومة، من أن يفهم المتابعون سماتها وحدودها.
بسجون مليئة بالمعارضين وسجل حافل بخطابات الكراهية والتخوين، تحيي تونس هذه السنة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الانسان. سنة ميزتها طوابير الانتظار الطويلة التي يقف فيها التونسيون على أمل الظفر بالقليل من الخبز او الحليب وباقي المواد الاستهلاكية المدعمة