عندما سألنا في بوسالم عن الملتحقين بساحة باردو قيل لنا أن هناك مشكلة لوجستية تتعلق بالنقل فعدد الراغبين في الذهاب للإعتصام أكثر من عدد الحافلات المتوفرة.
اتصلنا بالسيد شرف الدين المحمودي، الكاتب العام للإتحاد المحلي للشغل ببوسالم، للاستفسار عن برنامج التنسيقية المحلية لجهة الانقاذ الوطني ببوسالم، بإعتباره المسؤول عنه، فأعلمنا بأن الموعد المحدد للإنطلاق هو الساعة الثالثة بعد الزوال و أن هناك حافلة مخصصة لنقل الراغبين في الالتحاق بإعتصام “الرحيل” بباردو.
في مقر الاتحاد العام التونسي للشغل فرع ببوسالم و في الموعد المتفق عليه، كان هناك حوالي 20 شخصا من مختلف مكونات التنسيقية المحلية لجبهة الإنقاذ ببوسالم، كان الجميع ينتظر مع وجود حركة متوترة في رواق المقر و بين مكاتبه، و المنسق العام السيد شرف الدين المحمودي لم يترك سماعة الهاتف من يده بين العدد الكبير للاتصالات التي يقوم بها و بين عدد المكالمات التي يستقبلها للاستفسار عن برنامج التنسيقية المحلية ببوسالم للتنقل الى ساحة باردو، سبب كل هذا كان عدم توفير الحافلات من قبل الشركة الجهوية للنقل بجندوبة، حسب ما أكده مسؤولي التنسيقية و كل الموجودين في مقر الاتحاد المحلي للشغل.
اكد السيد شرف الدين المحمودي أن التنسيقية الجهوية لجبهة الانقاذ الوطني بجندوبة كانت قد اتصلت بالشركة الجهوية للنقل بجندوبة و اتفقت معها على تأجير حافلات لنقل ابناء الجهة الراغبين في الالتحاق بإعتصام الرحيل بباردو و لكنهم فوجئوا عندما كانوا يستعدون للإنطلاق بعدم قدوم الحافلة.
و يقول سامي الماجري عضو التنسيقية المحلية لإئتلاف الشباب الثوري “لقد تعللت شركة الجهوية للنقل بعدم توفر حافلات لديها في الوقت الراهن،و هو أمر غير صحيح لأننا عاينا بأنفسنا وجود الكثير من الحافلات داخل المأوى المخصص لهم و التابع للشركة”
و عند البحث عن حلول لمشكل النقل، لم ينفك الجميع يردد أنهم سيكونون في باردو الليلة مهما تكلف الأمر “حتى و إن اضطررنا للذهاب مشيا على الأقدام…” حسب ما قاله أحد أعضاء التنسيقية المحلية لجبهة الإنقاذ ببوسالم.
بعد كثير من الاتصالات أعلمنا السيد شرف الدين المحمودي أن هناك حافلة خرجت من العاصمة في حدود الساعة الثالثة و النصف، حينها بدأ عدد المتوافدين على مقر الاتحاد المحلي للشغل ببوسالم يتزايد ليصل مع وصول الحافلة الى بوسالم مع الساعة الخامسة و الربع تقريبا إلى حوالي الخمسين شخصا من الجنسين و من مختلف الأعمار حتى أن هناك من جاء صحبة عائلته، هذا و لا يجب أن ننسى الذين ذهبوا بسياراتهم الخاصة مرفقين بآخرين و الذين لم نتمكن من معرفة عددهم بالضبط.
هذا العدد كان من المفترض به أن يكون أكثر من ذلك بكثير نظرا إلى عدد الذين سجلوا أسماءهم في قائمة الـ”البوسالمية” الراغبين في الإعتصام أمام المجلس التاسيسي، و لكن اضطر المنظمون إلى تقليص العدد لعدم توفر وسائل نقل كافية.
في الطريق كانت الأجواء احتفالية بالأساس: أغاني مختلفة من الملتزمة إلى الثورية تلك التي تعودنا على سماعها في مثل هذه المناسبات، و شعارات ترفع بين الحين و الاخر استعدادا لما ستردده المجموعة مع معتصمي باردو. ما رددوه كانوا قد سمعوه في وسائل الإعلام في تغطياتها لإعتصام “الرحيل” و أساسا من مواقع التواصل الإجتماعي، حيث سبق و أن رردوا نفس الشعارات في الوقفات الإحتجاجية التي نظمت في مدينة بوسالم منذ اغتيال نائب المجلس التأسيسي محمد البراهمي و انطلاق الإعتصام للمطالبة بحل التأسيسي و اسقاط الحكومة.
و على الطريق السيارة مجاز الباب – تونس، لم تكن الحافلة التي تقل أهالي بوسالم هي الوحيدة بل كان تشاركته مع حافلة ولاية باجة و أخرى تقل أهالي جندوبة المدينة.
حوالي الساعة السابعة و الربع، وصل الركب إلى تونس، نزل الجميع أمام المبيت الجامعي باردو 1 ليكملوا المسافة القصيرة على الأقدام رافعين شعارات مطالبة بمعرفة قتلة شكري بلعيد و محمد البراهمي و كذلك مطالبة بحل المجلس الوطني التأسيسي و اسقاط الحكومة، حيث رفعت لافتات التنسيقية الجهوية للجبهة الشعبية بجندوبة مع غياب تام لأي لافتة تحمل امضاء التنسيقية المحلية أو حتى الجهوية لجبهة الإنقاذ أو لافتات أحزاب أخرى رغم وجودها في هذا الجمع.
عند الوصول إلى ساحة باردو كان هناك وسائل إعلام عديدة في استقبال القادمين من بوسالم رافعين الراية الوطنية و شعار التنسيقية الجهوية للجبهة الشعبية بجندوبة و مرددين شعارات اعتصام “الرحيل”، كما كان في الاستقبال كذلك أشخاص متطوعون يوزعون الأكل و المشروبات لأن الوصول كان وقت “شقان الفطر” فتشارك الجميع، الواصلون الجدد و من وجد في الساحة من قبل، الإفطار الجماعي.
انصهرت مجموعة بوسالم مع كل الحشود الغفيرة أمام المجلس التأسيسي، انت هنا تنسى من أين أتيت فقط تعرف أنك تونسي يتقاسم مع أبناء وطنه نفس الشعارات و نفس المطالب.
في ساحة باردو، كان ينضم إلى هذه الجماهير الغفيرة أفواج عديدة قادمة من مختلف مناطق الجمهورية و هو ما تدل عليه اللافتات التي تحمل أسماء الولايات و المعتمديات المختلفة، تضاعف العدد مرات و مرات لتكون الأجواء إحتفالية بإمتياز.
الساعة الواحدة فجرا، كانت الحشود قد بدأت تخلي ساحة الإعتصام شيئا فشيئا، و على كلمات كل من مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري و بسمة الخلفاوي أرملة شكري بلعيد و إنزال علم تونس بحجم عملاق على جدار إحدى البنايات المطلة على ساحة باردو، كان علينا العودة من حيث أتينا.
في حدود الساعة الرابعة و النصف من صباح يوم 7 أوت، وصلت الحافلة إلى مدينة بوسالم ليعود الجميع إلى منازلهم منهكا من كثرة الوقوف في الإعتصام و من عناء السفرة ذهابا و إيابا و لكن كل ذلك يختفي بمجرد الحديث عن أجواء الإعتصام و جماليتها.
هذا شيء جميل، ويُحسب لكل وطنيات ووطنيي وأحرار تونس في جندوبة وبوسالم وباجة،وبصفة عامة المناطق الشمالية المشهود لها بنظالاتها التحريرية أيام الإستعمار، رغم كل المضايقات لمنعكم من التنقل الى العاصمة،ورأينا كيف أن الحكومة الفاشلة،والسلط الجهوية في في كل المناورات المستعملة ،كلّلت جميعها بالفشل الذريع، وحتّى توظيف آدوات وأساليب الدولة، لم يعطي أكله