التحسّر على عهد بن عليّ: مغالطات خطاب الحنين  - Le discours pro Ben Ali 2e partie

بقلم محمد سميح الباجي عكّاز،

مشكلتنا في الثورات أنّنا نطيح الحاكم ونُبقي من صنعوا ديكتاتوريته، لهذا لا تنجح أغلب الثورات.. لأنّنا نغيّر الظالم ولا نغيّر الظلم.
عليّ شريعتي

بعد أن حاولنا في الجزء الأوّل أن نقف على حقيقة الوضع الإقتصاديّ بين مرحلة بن عليّ ومرحلة ما بعد 14 جانفي 2011، وفي الجزء الثاني أن نتناول فترة حكمه من الناحية الحقوقيّة والسياسيّة من خلال استعراض جزء من الانتهكات والاعتداءات التي مارسها بمعيّة الجهاز الأمني على المعارضين لحكمه، سنحاول اليوم أن نسلّط الضوء على الواقع الأمني والسياسيّ في البلاد بعد أن غاب الرئيس الأسبق عن الساحة السياسيّة وبعد أن انعتق النّاس من الخوف والانقماع الذّي لازمهم طيلة عقود.
والهدف الأساسي ليس تمجيد الحاضر بقدر السعيّ لكشف مواطن الخلل وترسّبات الماضي التي مازلت تلقي بضلالها على الواقع التونسيّ والتي تحوّلت إلى تربة خصبة لمن يحاول اجترار التاريخ وإحياء جمهوريّة الخوف من جديد.

مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011: ما الذّي تغيّر على مستوى الحريّات واحترام حقوق الإنسان وكرامة المواطن؟

بعد أن غادر الرئيس السابق زين العابدين بن عليّ البلاد في ظروف سيكشف التاريخ حتما ملابساتها، لم تدّخر وسيلة إعلامية واحدة أيّا كانت خلفيّتها السياسيّة أو الإيديولوجيّة جهدا في تعداد جرائم النظام السابق واستعراض المظالم والانتهاكات التي كانت تطال المواطنين وإدانة كلّ من يحاول التعاطف أو حتّى تبرير موقف أو تصريح لبن عليّ أو أحد أعوانه.

الجهاز الأمنيّ الذّي كان الأداة الرئيسيّة في يد بن عليّ لفرض سلطته، حاول بعد 14 جانفي أن يتنصّل من مسئوليته وأن يتبرأ من ممارسات النظام السابق بدعوى الضغوط المسلّطة عليه وتحوّل بفعل سيل من التبريرات والحجج إلى ضحيّة لرجل روّجوا لنا فيما بعد أنّه كان يحكم ويسيّر ويراقب البلاد منفردا.

الانكماش الأمنيّ ومناخ الحريّة المطلقة وغياب الرقابة ومظاهر القمع لم تدم سوى أشهر لتعرف البلاد خلال الثلاث سنوات التالية والتي تعاقبت خلالها خمس حكومات “انتقاليّة” بدأ من محمد الغنّوشي مرورا بالباجي قايد السبسي وحمّادي الجبالي وعليّ العريّض وصولا على مهدي جمعة عودة قويّة للممارسات القمعيّة في مواجهة التحرّكات الاحتجاجيّة والأصوات المناوئة لكلّ حكومة.

البداية كانت منذ فترة محمد الغنّوشي حين تمّ إجهاض اعتصام القصبة 1 والتعامل بوحشيّة مع الشباب الذّي حاول استكمال المسار الثوريّ بعد أن تفاجأ بتشكيلة أوّل حكومة بعد “الثورة” والتي ضمّت وجوها من النظام السابق، لتعقبها محاولات جديدة لإجهاض اعتصام القصبة 2 عبر الجهاز الأمنيّ تارة وعبر مأجورين ومنحرفين طورا ومن ثمّ أحداث العنف التي تلت تصريحات وزير الداخليّة آنذاك فرحات الراجحي.
لتتمّ الإطاحة بحكومة الغنّوشي ليخلفه الباجي قايد السبسي على رأس حكومة “تكنوقراط” لتأمين الوصول إلى انتخابات المجلس الوطني التاسيسيّ، وبدورها لم تكن هذه الحكومة الجديدة استثناء في استكمال سياسة القمع والمواجهة العنيفة مع بعض التحرّكات الاحتجاجيّة التي رأت فيه استمرارا للحقبة الماضية كما حدث في شارع الحبيب بورقيبة في رمضان من سنة 2011 بالإضافة إلى التعامل الأمنيّ مع المحتجّين في القصبة والذي عرف “بالقصبة 3”. ولكنّ نسق المواجهات كان اقلّ بعد أن استغل السبسي عامل الانتظار والاستحقاق الانتخابيّ في مواجهة المطالب الاجتماعيّة.

مرحلة ما بعد 23 أكتوبر 2011 مثّلت منعرجا على السعيد السياسيّ بعد أن تمّ ملأ الشغور المؤسّساتي للدولة عبر انتخاب المجلس التأسيسيّ وتعيين رئيس حكومة ورئيس للجمهوريّة، ولكنّ هذا المدخل “الديمقراطيّ” للمرحلة لم يعكس البتّة تحوّلا على مستوى أسلوب التعامل مع الحراك الاجتماعي والتحرّكات الاحتجاجيّة.

خلال ما يزيد عن سنتين من حكم النهضة، والتي شهدت تعاقب رئيسي حكومة هما حمّادي الجبالي وعليّ العريّض، عرفت البلاد واحدة من أسوأ الفترات على الصعيد الحقوقيّ والانتهاكات الأمنيّة. فخلال فترة تولّي رئيس الحكومة حمّادي الجبالي مقاليد الحكم سجلت المنظّمات الحقوقيّة المحليّة والدوليّة ممارسات عنيفة للجهاز الأمني لعلّ أبرزها قمع المحتجّين في سليانة بواسطة “الرشّ” والذّي خلّف عاهات مستديمة لبعض المحتجّين من قبيل فقدان أحد العينين أو العمى التّام، كما سجّلت الانتهاكات الأمنيّة والعنف الشديد خلال مظاهرة المعطّلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا في 07 أفريل 2012 بشارع الحبيب بورقيبة بتليها الهجمة الأمنية الشرسة خلال إحياء عيد الشهداء في 9 افريل من نفس السنة.
كما شهدت السجون التونسيّة وفاة سلفيّين معتقلين على خلفيّة اتهامهم بالمشاركة في الهجوم على السفارة الأمريكيّة هما بشير القلّي ومحمد البختي اللذان دخلا في إضراب جوع حتّى الموت احتجاجا على ما اعتبراه ظلما وتجاهلا من السلطات الأمنية لمطالبهما.
لينتهي حكم حمّادي الجبالي عقب إغتيال القياديّ في الجبهة الشعبيّة شكري بلعيد وما عقب عمليّة الاغتيال من مواجهات عنيفة بين الأمن والمحتجّين انتهت إلى استقالة الجبالي وتولّي وزير داخليته عليّ العريّض منصب رئاسة الحكومة.

وزير الداخليّة السابق الذي كان على رأس الجهاز الأمني خلال فترة حكم الجبالي واصل نفس النهج الذي اتّبعه في مواجهة التحرّكات الشعبيّة والحراك الاجتماعيّ، ويسجّل التاريخ حجم العنف المسلّط على المحتجّين عقب اغتيال القيادي الثاني في الجبهة الشعبية محمد البراهمي، إذ أدّت المواجهات بين الأمن والمحتجّين إلى مقتل محمد المفتي في قفصة وجرح 65 متظاهرا بالإضافة إلى العشرات من الإصابات في مختلف المدن التونسيّة والاعتداء على ثلاثة من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وهم نعمان الفهري، محمد علي نصري ومنجي الرحوي، وكذلك حادث سيارة وحدات التدخل التي قامت بدهس أحد الشبان المتظاهرين بساحة باردو.
كما سجّلت تلك الفترة سجن مغنّي الراب “ولد الكانز” بتهمة الشتم والقذف ووفاة وليد دنقير أثناء التحقيقات بعد أن ادعت السلطات الأمنية مقتله اثر محاولته الهروب ولكن صور جثمانه أظهرت آثار التعذيب الجسدي بالإضافة إلى استمرار مظلمة سامي فرحات تلميذ الباكالوريا الذي ما يزال رهن الاعتقال دون محاكمة منذ أكثر من سنة بتهمة حرق مقرّ النهضة خلال المظاهرات التي عمّت البلاد وولاية قفصة بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد.

ولم يطل الأمر بعليّ العريض وحكومة الترويكا حتّى تنازلت عن الحكم عقب اعتصام الرحيل في باردو ليتولّى مهدي جمعة، وزير الصناعة في الحكومة السابقة مقاليد الحكم إثر ماراثون الحوار الوطني الذي جمع جميع الأطراف السياسيّة والنقابيّة ومنظّمة الأعراف.

رئيس حكومة التوافق الوطني الجديد لم يشذّ عن ممارسات سابقيه على المستوى الحقوقيّ والأمنيّ، إذ تواصلت الانتهاكات والاعتداءات على نشطاء المجتمع المدنيّ كما حدث مع خليفة نعمان وعزيز عمامي وصبري بن ملوكة وصفوان بوعزيز والاعتداء على اعتصام قدماء اتحاد الطلبة للمطالبة بحقهم في التشغيل وصولا إلى استمرار محاكمة شباب الثورة وتبرئة وزير الداخليّة وعلي السرياطي آمر الحرس الرئاسي بحكم المحكمة العسكريّة.

كما لم يسلم الصحفيّون خلال تتالي الحكومات الخمسة من الاعتداءات الأمنيّة والتضييق ومصادرة كاميرات التصوير وحتّى الاعتداء بالضرب على الصحفيّين كما حدث تماما خلال محاكمات شباب الثورة في سيدي بوزيد.

بل وتطوّرت أساليب القمع والعنف خلال الفترات التي أعقبت 14 جانفي 2011، فبعد أن كان العنف حكرا على الجهاز الأمني شهدت تونس خلال السنوات الثلاث الماضية ظاهرة مخيفة تتمثّل في إطلاق يد أنصار الأحزاب السياسيّة للتنكيل بالمعارضين والفنّانين مثلما حدث مع الفنّانين في نزل أفريكا والاعتداء على النوري بوزيد والهجمات المتتالية على مقرّات الأحزاب والناشطين السياسيّين والذي انتهى بمقتل لطفي نقض في تطاوين على خلفية انتماءه لحزب نداء تونس والاعتداء على اجتماع الجبهة الشعبيّة في باجة أيّاما قبل اغتيال شكري بلعيد، بالإضافة على حادثة الاعتداء الشهيرة على مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل في ساحة محمد عليّ في ديسمبر 2012 عقب توتّر العلاقة مع حركة النهضة واتهامها للنقابة بالتحريض على الاحتجاجات والإضرابات لضرب الحكومة.

لنا أن نتساءل هنا ما الذّي تغيّر بين الأمس واليوم، وما فائدة ما حصل بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 ما دامت الانتهاكات مستمرّة حتّى يومنا بأيدي السلطة وأعوان السلطة.
الفرق الوحيد والأساسيّ الذي صنعته دماء من سقطوا خلال شتاء 2010-2011 هو التخلّص من حاجز الخوف والانقماع والقدرة على المواجهة والدفاع عن النفس.
خلال فترة حكم بن عليّ كان الجميع مجبرا بدافع الخوف أو السلبيّة على التعامي عن الانتهاكات التي تطال نشطاء المجتمع المدنيّ، وكان هذا الصمت هو الحافز الأكبر للتمادي في سياسة القمع والترهيب الممنهج للنّاس وفي ترسيخ حكم قام على ضرب الروابط الاجتماعيّة وتكريس ثقافة الفردانيّة تجاه قضايا المجتمع.

ولكن الواقع اليوم بجميع مساوئه، ورغم أنّ الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي حاولت أن تكون نسخة من نظام بن عليّ وتبنّت خياراته الإقتصاديّة والأمنية، إلاّ أنّ القدرة على المجاهرة بالظلم والاحتجاج على الانتهاكات التي طالت العديد من المواطنين و النشطاء ومطلب المحاسبة الذي ترسّخ في أذهان النّاس رغم سقوطه من أجندات السياسيّين جعل من إمكانية الالتفاف وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء أمرا ليس بالهيّن، وصمّام أمان أمام إعادة تأسيس جمهوريّة الخوف رغم كلّ الدماء التي سالت في سبيل طمس هذا المكسب.

الإرهاب: قميص عثمان

من أبرز الحجج التي يعتمدها مسوّقو خطاب الحنين إلى حكم الرئيس السابق زين العابدين بن عليّ هو نجاح سياسته الأمنية في درء خطر الإرهاب الذي تحوّل بعد 14 جانفي إلى الخطر الأكبر الذي يهدّد البلاد بعد أن بلغت حصيلة الجنود والأمنيين من الحرس الوطني والشرطة الذين سقطوا نتيجة هجمات المجموعات الإرهابية منذ سنة 2011، الستّين، آخرهم بعد العمليّة الإرهابية التي استهدفت الثكنة العسكريّة في مدينة سبيطلة من ولاية القصرين مساء يوم السبت الفارط 02 أوت 2014، بالإضافة إلى عشرات الجرحى في أعنف موجة أعمال إرهابية تشهدها تونس منذ سنة 1956.

هذا التناول السطحيّ لتفشّي الإرهاب يجعل من معالجة هذه الظاهرة سطحيّا هو الآخر، فالتعامل الأمنيّ لن يكون وحده القادر على الحدّ من استمرار هذا الخطر وإن تراجع نسق عمليّاته.
ففي التاريخ التونسيّ المعاصر لم تكن هذه الأحداث الإرهابية هي الأولى من نوعها، فمنذ سنوات دارت مواجهات عنيفة بين الجيش والأمن ومجموعة من الشباب المسلّح في منطقة سليمان في الوطن القبلي، لتنطلق بعدها حملة واسعة من الاعتقالات في صفوف الشباب طالت المئات وكانت الذريعة الأساسية التي استعملها النظام لتبرير انتهاكه لحقوق الإنسان وسياسته القمعيّة مستغلاّ ارتدادات عمليّة 11 سبتمبر والحرب الأمريكيّة على التنظيمات الجهاديّة.

ولكنّ الإرهاب الذي استشرى في البلاد بعد 14 جانفي لم يكن سوى نتيجة لتفاقم الحقد ومراكمة لعقود طويلة من انعدام الحوار وتكريس الخوف وأحاديّة الرأي.
كما يتعامى المروّجون لخطاب الأمن و الاستقرار في عهد بن عليّ عن تطابق خريطة الإرهاب مع خريطة الفقر والبطالة في تونس، فالمناطق التي سجّلت أعلى نسب الأميّة والفقر والبطالة نتيجة التهميش وغياب التنمية الجهوية خلال العقود الماضية، كانت هي نفسها مسرحا لأشّد العمليات الإرهابية فتكا على مستوى الكمّ والكيف. فالولايات الستّة التي تذيّل قائمة التنمية في تونس احتكرت لنفسها ما يزيد عن 80% من الهجمات المسلّحة على قوات الأمن والجيش. وهو ما يدلّ على أنّ السياسة الاقتصاديّة للنظام السابق والتي كانت سببا في خلق هوّة تنمويّة بين شرق البلاد وغربها وأحاطت المدن الكبرى بأحزمة فقر وأحياء منسيّة كانت الوكر الحقيقيّ لترعرع الفكر المتطرّف والحافز الأهم للنقمة على الدولة ومؤسّساتها. كما أنّ حالة العزلة التي فرضها هذا التفاوت صعّب عمليّة قبول الآخر وخلق شبه نفور بين فئتين اقتصاديّتين واجتماعيّتين بفعل سياسة التمييز والمركزيّة.

إنّ حصر التعامل مع الخطر الإرهابي في تونس عبر العمل الأمنيّ لن يؤدّي في النهاية إلاّ إلى تزايد النقمة ونشوء أجيال جديدة من حاملي الكراهيّة والرغبة في الانتقام، إذ يجب البدء بمسبّبات الإرهاب وجذوره الإقتصادية والاجتماعيّة والثقافيّة، وفي نفس الوقت لا يمكن اعتبار مثل هذه الدعوات تبريرا للإرهاب أو تحريضا عليه، بل ولا يجب التسامح مع أيّ خطاب استئصاليّ أو تحريضيّ هدفه الغاء الآخر وتزكية سفك الدماء، ولكنّها دعوة إلى إيجاد حلول جذريّة توقف نزيف الدم في البلاد وتضع حدّا لحالة القلق الدائم والخوف من المجهول الذي ينعكس سلبيّا على جميع القطاعات والشرائح المجتمعيّة.

أمّا التهافت على الحلول السهلة والدمويّة التي كان ينتهجها الرئيس السابق في تعامله مع ظاهرة الإرهاب فلن تولّد في النهاية سوى حلقة جديدة من العنف بعد أن تستنفذ جميع الحلول الأمنية وتستنزف البلاد في صراعات دمويّة.

“لا غد في الأمس، فلنتقدّم إذن”
محمود درويش

لم يكن الدافع الرئيسيّ لإعداد هذا الملفّ مجرّد التذكير بجرائم النظام السابق على الصعيد الإقتصاديّ والاجتماعي والحقوقيّ، أو الثناء على حكومات ما بعد 14 جانفي، ولن يكون مطروحا يوما ما أن نهادن أو نمدح نظاما أو اسما أو حزبا أو فكرة بعينها، ولكنّ الهدف الأساسي من هذه المقالات هو التحذير من العودة إلى الوراء تحت أيّ مسمى أو أيّ ظرف.

إنّ من يتبنّون اليوم خطاب التمجيد والحنين لمرحلة حكم بن عليّ رغم علمهم بحجم الانتهاكات الإقتصاديّة وخصوصا الحقوقيّة والإنسانية، هم أولئك الذين اسماهم محمد الغنّوشي خلال اعتصام القصبة “الأغلبيّة الصامتة” التي شجّعت طوال عقود عبر صمتها وتعاميها تمادي النظام في سياسة النهب والترهيب والقمع، وهم من تنازلوا في سبيل لقمة العيش أو في سبيل ترقية مهنيّة أو الحفاظ على بعض المصالح الإقتصاديّة عن كرامتهم وحقّهم وحقّ غيرهم في الاختلاف وفي القدرة على التعبير والتفكير خارج القوالب الجاهزة التي وضعها النظام.

إنّ تمادي هذا الخطاب الذي يحاول عن وعي أو نتيجة الخوف من المستقبل اجترار الماضي وتلميع ممارسات النظام السابق والحطّ من اهميّة قيم كالكرامة والحريّة أنّما يمثّل خطرا حقيقيّا على الخطوة البسيطة التي استطاع الشعب التونسيّ أن يخطوها بعد 14 جانفي وهي تكريس التعدديّة والاختلاف والتعوّد على قبول الآخر كما هو ما دام لا يمثّل خطرا على خصوصيّة غيره.

وفي النهاية، يجب أن يعي الجميع أنّ أسوأ الديكتاتوريات وأعنفها تستمدّ قوّتها ممن يسلّمون رقابهم طواعيّة في سبيل خبز مرّ وقفص آمن.