المشاركة التونسية في الدورة 71 لاجتماعات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، لم تقتصر على الخطاب الدوري في مقرّ المنظّمة في نيويورك. إذ عقد الوفد التونسي ممثّلا برئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع كلّ من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال المنتدى الاقتصادي الأمريكي الإفريقي للتأكيد على مضيّ تونس قدما في الاستجابة للسياسة الأمريكية، إضافة إلى مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لبحث آخر الاستعدادات للندوة الدولية للاستثمار التي تعتزم تونس تنظيمها يومي 29 و30 نوفمبر بعد استكمال تونس تنفيذ جزء كبير من برنامج “الإصلاح الهيكلي” في القطاع المالي والمصادقة على مجلّة الاستثمار.

الحوار المفتوح بين رئيس الجمهورية وجون كيري: احتفاء تونسي بالرضا الأمريكي

أجرى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حوارا مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بحضور عدد من رؤساء الدول ورجال الأعمال الأمريكيين خلال المنتدى الأمريكي الإفريقي للأعمال في نسختها الثانية بنيويورك. الحوار “الودود” بين الطرفين تناول مسألة الانتقال الديمقراطي في تونس، و”الاستثناء التونسي” خلال سلسلة التغييرات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة. ولكن الجزء الأكبر من الحوار، تمحور حول الوضع الاقتصادي الراهن ومستقبل الحكومة الجديدة إضافة إلى مدى استعداد تونس للاستجابة لشروط المستثمرين الأجانب.

الرئيس الباجي قائد السبسي، الذّي أكّد لوزير الخارجيّة الأمريكي نجاح الجهود التونسية في مكافحة الإرهاب، شدّد على أنّ البلاد ستبدأ حربا ضدّ الفساد مع تولي الحكومة الجديدة زمام الأمور. لكنه لم يغفل أن الجهود التونسية ما تزال بحاجة إلى الدعم الأمريكيّ ليضيف الرئيس التونسي أن بلاده لم تدّخر جهدا في تعزيز علاقاتها مع تونس في المجالين الأمني والعسكري، معتبرا أنّ تونس “محظوظة بصداقاتها ولاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية”. إشارة في علاقة بالصفقة العسكرية الأخيرة التي اقتنت تونس بموجبها 24 طائرة عمودية من طراز Bell OH-58 Kiowa مرفقة بذخائر متنوعة. ويعود انتاج هذا النوع من الطائرات العمودية إلى سنة 1969. وقد خرجت من الخدمة في الجيش الأمريكي منذ أفريل 2016. صفقة المروحيات “العجوز” المُحالة على التقاعد ستكلّف الخزينة العمومية ما يناهز 100.8 مليون دولار.

helico-kiowa
Hélicoptère KIOWA Warrior OH-58D

المحور الثاني للقاء تناول مناخ الاستثمار في تونس والتحديات الاقتصادية الراهنة. جون كيري الذّي توجّه إلى الرئيس التونسي بعدد من الاستفسارات حول حقيقة الاستعداد التونسي لاستقبال الاستثمارات الأجنبية والقطاعات “المفاتيح” على حدّ تعبيره. ليردّ محدّثه أن الحكومة التونسية تراهن على القطاع الخاص لتحقيق التنمية الاقتصاديّة، مشيرا إلى أنّ قطاع الفسفاط قد شهد تحسنّا بعد 5 سنوات من المشاكل وتعطّل الإنتاج الذّي عزاه بحسب تعبيره إلى “النقابة والنقابيّين”. أما بخصوص المناخ الاستثماري، فقد حاول هذا الأخير طمأنة رجال الأعمال الأمريكيين ومضيّفه إلى أنّ الحكومة بصدد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير جميع الظروف الملائمة ومن ضمنها المصادقة على قانون الاستثمار الجديد منذ أكثر من أسبوع.

اللقاء “الوديّ” الذّي جمع الطرفين، لم يخرج عن نطاق تبادل المديح والثناء، خصوصا من الجانب التونسي الذّي جدّد امتنانه للولايات المتحدة الأمريكية ومساعداتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية، ليصل إلى حدّ الالتزام “بمواصلة الشراكة والتعاون التام” معها. تصريحات تؤكد مضي تونس قدما في الاصطفاف تحت المظلّة الأمريكية المشروطة والاستجابة لقواعد الولايات المتحدة على صعيد السياسة الخارجية والتعاون العسكري.

كريستين لاغارد وكشف حساب تنفيذ الإملاءات

لقاءات الوفد التونسي لم تتوقف عند المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، إذ اجتمع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يوم الاربعاء 21 سبتمبر 2016 بنيويورك مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي أبدت في تصريحاتها عقب اللقاءات الثنائية رضاها عن مسيرة التعديلات الهيكلية على القطاع المالي واستجابة تونس التامة لبرنامج “الإصلاحات” المقدّم من صندوق النقد الدولي. كما أكّدت مواصلة دعم المؤسسة المالية لتونس خاصة مع تقدّم نسق الإصلاحات والمصادقة مؤخّرا على القانون الجديد للاستثمار الذّي كان أحد النقاط الأساسية فيما يُعرف بـ”دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل.”

وقد تعرّضت تونس إلى ضغط دولي من أجل المصادقة على قانون الاستثمار الجديد، فقد اشترطت الولايات المتحدة الأمريكية على الحكومة التونسية الالتزام بالمصادقة على مجلة الاستثمار ونشرها بالرائد الرسمي في أجل لا يتجاوز 30 سبتمبر 2016، مقابل الضمان في القرض الرقاعي الذي أصدرته تونس بالسوق المالية العالمية في 3 جوان 2016 بقيمة 500 مليون دولار.

وجاء لقاء الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مع مديرة صندوق النقد الدولي أشبه بجرد حساب للإجراءات التونسية ومدى التزامها بتنفيذ إملاءات هيئات النقد الدولية، خصوصا في القطاع المالي على غرار قانون المؤسسات المالية والبنكية وقانون استقلالية البنك المركزي ورسملة البنوك العمومية وأخيرا المصادقة على قانون الاستثمار. في مسار خطر من الطاعة العمياء التي أوصلت البلاد إلى مرحلة خطيرة من المديونية التي ناهزت 64 بالمائة من ناتجها المحليّ الخام دون وجود حلول حقيقية للخروج من الأزمة عدى الهروب إلى الأمام.