يقول العميد لطفي منصور مدير حفظ النّظام بإقليم تونس الكبرى خلال ندوة صحفيّة نظّمتها وزارة الداخليّة يوم 10 ماي إنّ الوزارة “حريصة على إنجاح المواسم الرياضية”، داعيا إلى القطع مع المعالجة الأمنية في التعاطي مع الشغب والعنف. ولكنّ الوقائع تقول عكس ذلك، إذ تعددت الإيقافات في صفوف مجموعات الأحباء وتنوعت القضايا التي أُحيلوا من أجلها، حيث حُوكم شابّان من أحباء النادي الافريقي ابتدائيا بالسجن لمدة ثمانية أشهر بتهمة الاعتداء على عون أمن، بعد حملة إيقافات شملت 40 مشجعا للنادي الافريقي. كما أوقفت قوات الأمن 13 مشجعا بعد الجلسة الأخيرة في قضية عمر العبيدي بتاريخ 31 مارس 2022.

وحسب ما تابعناه في نواة مع مجموعات الأحباء، فإنّ الإيقافات الأمنيّة استهدفت 60 مشجعا من فرق مختلفة واحتفظ بثلاثة منهم مطلع شهر أفريل. كما سجلنا إيقاف مشجّعَيْن اثنَيْن والاحتفاظ بهم بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب على خلفية نشرهم لصور على فايسبوك فيها شعار “العدالة أو الفوضى”، قبل أن يقرر القطب القضائي لمكافحة الإرهاب إطلاق سراحهم لانتفاء الصبغة الإرهابية في القضية.

لم نتمكن من حصر العدد النهائي للموقوفين ولكن حسب متابعات الناشطة في رابطة حقوق الانسان ومحامون بلا حدود نورس الزغبي فإن الإيقافات والمداهمات شملت العشرات من جماهير النادي الافريقي والترجي الرياضي التونسي والنادي الصفاقسي، وهناك من صدرت في حقهم بطاقات إيداع في السجن بمقتضى القانون عدد 52المتعلق بالمخدرات أو قانون مكافحة الإرهاب.

بين رصد الانتهاكات وتواصل الإيقافات

أثارت صور مراقبين تابعين للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في مباراة الدربي الأخيرة التي جمعت النادي الافريقي بالترجي الرياضي التونسي جدلا واسعا لدى المتابعين للشأن الرياضي والحقوقي على حد السواء، بين مؤيد لفكرة رصد الانتهاكات التي قد تحصل في الملاعب ورافض لها، خاصة من جهة النقابات الأمنية. لكنّ وجود منظمة بحجم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في أحد الملاعب الرياضية يُعدّ سابقة فرضتها عديد الأحداث، لعل أبرزها حملة الإيقافات الأخيرة التي شملت عشرات المنتسبين لمجموعات أحباء الفرق الرياضية (مجموعات الألتراس)، بالإضافة إلى العنف المسلط على الجماهير الرياضية والحملة الأخيرة التي انخرطت فيها مجموعات الأحباء والمطالبة بمعرفة الحقيقة في قضية عمل العبيدي ومحاسبة القتلة.

ويعتبر مشجعو الفرق الرياضية أن الحملة التي تشنها وزارة الداخلية جاءت بعد تبني الجماهير الرياضية المختلفة لشعار “العدالة أو الفوضى” وانخراطها في الحملة المطالبة بحق عمر العبيدي. وصرح المشجع بلال (اسم مستعار باعتبار أن أفراد الالتراس لا يعلنون عن هوياتهم) لموقع نواة بأن الحملة الأمنية ضدهم تهدف إلى ترهيبهم وثنيهم عن رفع شعارات تطالب بالحقيقة في قضية عمر، بالإضافة إلى أن “الدولة ووزارة الداخلية تتعامل معنا على أساس أننا أعداء لهم”، حسب قوله. وأضاف:

أنتم لا تعلمون حجم الاهانة وسوء المعاملة والاذلال الذي نتعرض له منذ خروجنا من منازلنا إلى حيث خروجنا من الملعب، يقومون بكل شيء من أجل أن نرد الفعل وينتج عن ذلك مواجهات يستعملون فيها قنابل الغاز والهراوات والضرب والتعذيب، الجماهير بالآلاف ولا يمكننا السيطرة على رد فعل المشجعين لكن الداخلية أيضا تقوم بكل ما يلزم لاستفزازنا وجرنا إلى مربع العنف.

حسب الناشط أيوب عمارة عن حملة “تعلم عوم” فإن هذه الحملة الأمنية “تستهدف كل من رفع شعار العدالة والحقيقة في قضية عمر العبيدي، التي تمثل وصمة عار على جبين الدولة التونسية. من غير المعقول أن يذهب شاب إلى الملعب ويموت في مطاردة أمنية وتتداعى أجهزة الدولة الأمنية والقضائية لحماية المتهمين بقتله”، معتبرا أن عودة قضية عمر العبيدي إلى واجهة الأحداث بفضل جهود حملة تعلم عوم ومنظمات من المجتمع المدني ومجموعات الأحباء أثارت حفيظة الجهاز الأمني، وهو ما دفعه إلى القيام بهذه الحملة لترهيب الجماهير الرياضية التي تبنت قضية عمر العبيدي وجعلتها حاضرة في كل المباريات الأخيرة، حسب قوله.

تعلّم عوم: نضال ضدّ الإفلات من العقاب

عادت قضية عمر العبيدي، أو شهيد الملاعب كما يسميه رفاقه، إلى واجهة الأحداث تزامنا مع الذكرى الرابعة لوفاته بعد أربع سنوات من الأبحاث والتحقيقات الأمنية والقضائية دون نتيجة. وتزامنا مع الجلستين الأخيرتين في قضية عمر العبيدي نفذت مجموعات الأحباء ومنظمات المجتمع المدني وقفتين احتجاجيتين أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس بالإضافة إلى إطلاق حملة واسعة للمطالبة بحق عمر العبيدي وإنهاء حالة الإفلات من العقاب. هذه التحركات ساهمت في تبني مجموعات الأحباء لمختلف الفرق الرياضية قضية عمر العبيدي ورفعت لافتات تطالب بالعدالة فيما يعرف بقضية “تعلم عوم”.

هذه التطورات الأخيرة في قضية عمر العبيدي في محكمة بن عروس وتأجيل القضية في عدة مناسبات وغياب المتهمين من عناصر الشرطة في جلستين وحضورهم في حالة سراح في الجلسة الأخيرة، ساهمت في خلق رأي عام متوجس من إمكانية إخفاء الحقيقة وتحصين المتهمين من العقاب، لكن الأجهزة الأمنية تعاملت مع هذا التوجس بمزيد من التصعيد.

العدالة الغائبة

ربما تتعدد أسباب العنف في الملاعب أو الايقافات في صفوف الجماهير، وهنا لا نتحدث عن العنف المتبادل بين الأمن والجماهير بل عن الأسباب التي أدت إلى هذا العنف، ومن المؤكد أن له جذور قديمة متجددة في علاقة بالأمن وعقلية الجماهير الرياضية ومجموعات الالتراس، لكن القضية التي تبنتها الجماهير الرياضية مؤخرا بدأت منذ لاحقت عناصر أمنية الشاب عمر العبيدي من ملعب حمادي العقربي (الملعب الأولمبي برادس سابقا) إلى وادي مليان بعد مواجهات بين جماهير النادي الافريقي وقوات الشرطة، في ذلك اليوم (31 مارس 2018) انتشرت عبارة “تعلم عوم” بين مجموعات الأحباء التابعة للنادي الافريقي لتتحول هذه العبارة فيما بعد إلى شعار احتجاجي ضد الممارسات الأمنية في حق أبناء الشعب والتي غالبا ما تبقى محصنة من العقاب والتتبع القضائي. قضية عمر العبيدي (18 عاما) التي لا تزال تراوح مكانها في محكمة بن عروس إلى اليوم دون محاسبة المتهمين تمثل دليلا صارخا على ثقافة الإفلات من العقاب التي تنخر الدولة وتقضي على العدالة يوما بعد يوم.

وكانت دائرة الاتهام قد قررت في 04 ديسمبر 2021 إحالة 14 أمنيا بحالة سراح على أنظار الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية ببن عروس لمحاكمتهم بتهم القتل عن غير قصد الواقع عن قصور وعدم احتياط وعدم تنبيه وعدم مراعاة القوانين طبق أحكام الفصل 217 من المجلة الجزائية، وعدم إغاثة شخص في حالة خطر وترتّب عن ذلك هلاكه كانت تفرض عليه قواعد مهنته مساعدة الغير وإغاثته طبق أحكام الفصلين الأوّل والثاني من القانون عدد 48 لسنة 1966 المتعلّق بجريمة الامتناع عن المحظور.

وتعمل منظمات حقوقية وحركات شبابية ومجموعات الأحباء التابعة للفرق الرياضية الكبرى على متابعة قضايا الموت المستراب على غرار قضية عمر العبيدي وعبد السلام زيان، بالإضافة إلى تتبع المتهمين في قضايا التعذيب في مراكز الايقاف في ظل حالة من الإفلات من العقاب ساهمت في انتشار شعور بالظلم لدى الضحايا وذويهم وفقدان الأمل في افتكاك حقوق المتهمين خاصة لما يكون الطرف المتهم من المؤسسة الأمنية.