المفهوم الحديث للإصلاح والذي أصبح بمثابة عملية ديناميكية مستمرة، تتجه نحو التطوير أكثر منه إلى إصلاح حالات مرضية تستوجب العلاج. وبما أننا لا زلنا نسمع نفس الأفكار والتصورات والاستراتيجيات الوهمية والكسيحة ونُعاين الفشل تلو الآخر وكأن الزمن واقف مكانه، ونظرا لطول هاته المدة الزمنية واعتبارات أخرى سنأتي عليها لاحقا، نقول للمتصدرين الجدد للمشهد السياسي ومن ورائهم كبار القوم في الإدارة والماسكين بملفات الإصلاح ومكافحة الفساد… كفى كذبا
بخطابه الأخير.. قائد ”السبسي“ يفجّر أزمات جديدة ويبدأ في استنساخ ”سيسي“ مصر
ليس من مصلحة أحد اليوم في دولة جريحة بسبب سياسييها أن يتمّ الزج بالجيش في مواجهة المحتجّين قبل استنفاذ جميع الحلول مع من أصبح يرى الظلمة القاتمة في كلّ مكان نتيجة غياب التنمية والتشغيل وتفشّي البطالة، لأن قرار الزجّ بالمؤسسة العسكرية في الحياة السياسية أثبت فشله في تجارب عديدة ولنا فيما حدث في ثورة الخبز في جانفي 1984 دليلا قويا على ما نقول.
المصالحة تكرّس توافقات الإنتقال الديمقراطي بينما الحراك الإجتماعي يتجاوز المجال السياسي الرسمي
لن يكون قانون المصالحة المحاولة اليتيمة فهو جزء معركة أشمل يخوضها النظام في مواجهة المسار الثوري الذي إشتعل في 17 ديسمبر 2010، و تكريسا للمنوال الإقتصادي المنتج للتفاوت و الإستغلال و سيطرة رأس المال الخاص المحلي و الأجنبي على مقدارات البلاد و بقاء الدولة مجرّد جهاز إداري في خدمة التحالفات الإجتماعية و الإقتصادية الحاكمة المرتبطة بالسياسات التي تفرضها المؤسسات و الجهات المانحة و المقرضة. مما يجعل الحراك الإجتماعي يواجه إلتفافات من قبل النظام الحاكم و المجتمع المدني التابع.
جبنيانة: المدينة الاثرية بطرية، من عمق التاريخ الى هامش الحاضر
توقفت الحفريات بالموقع الاثري ”أكولا“ سنة 1994، رغم انها لم تبح بأسرارها كاملة فحسب تأكيد الباحثين فانها لزالت تزخر بكنوز اكثر من التي اكتشفت، علما أنّه تم آن ذاك رفع أعظم و أحسن التحف إلى المتحف الوطني بباردو فان لذلك حقيقة يبعث على الحيرة و الاستغراب، فكيف لهذه المدينة العظيمة أن تجابه وحدها عسف عوامل الطبيعة و تهميش الدولة رغم المكانة الكبيرة التي أولاها اعتي الباحثين الفرنسيين لها منهما السيد جلبار بيكارد و السيدة سوزان قوزلان، كما لزالت أراضي الموقع الأثري ”اكولا“ تحت تصرف إدارة التراث لعقود.
”يا ليته يعود“، مقولات من اليومي في تونس ما بعد الثورة
جملة قيلت لي عشرات المرات، نفس المعجم و نفس القصة. منهم كثيرون يشتمون الثورة و يتحسرّون مرارا على العهد البائد، عهد الأمن الاقتصادي و سحق الارهاب. و لئن أقروا مكسبا من مكاسب الثورة، فهو في مخيالهم مكسب يتيم يشككون في قيمته. لم نغنم الاّ حرية التعبير. و لكننا ”نحن الكادحون ﻻ نفطر ﺍﻟﺤﺮّﻳﺔ ﻭ ﻻ نطعم ﺍﻟﺪّﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴّﺔ ﻷﺑﻨﺎﺋنا ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺸﺎء ﻛﻤﺎ ﺃّﻥ ﺍﻟﺘﻌّﺪﺩّﻳﺔ الحزبية ﻟﻦ ﺗﺸّﻐﻠﻬﻢ ﻏﺪﺍ!“
لماذا يدفع صندوق النقد الدولي نحو مزيد التخفيض من قيمة الدينار
في العديد من تقاريره يؤكد صندوق النقد أن سياسة الصرف في تونس تتسم بالمغالاة أي أن سعر الدينار (رغم التدهور المتواصل) مازال مرتفعا مقارنة بقيمته “الحقيقية”. لذلك تؤكد املاءاته على ضرورة التخفيض من قيمة الدينار لدعم المنافسة وتشجيع التصدير وذلك بالحد من تدخل البنك المركزي في سوق الصرف و إضفاء مرونة أكثر على قوانين الصرف. حتى و إن سلمنا بالمفعول الايجابي للتخفيض في قيمة الدينار على الصادرات فإن لهذا الإجراء انعكاسات سلبية، بل كارثية.
العلاقات التونسية الفرنسية الأوروبية على مفترق طرق التاريخ (4)
في الجزء الرابع من هذه السلسلة، سنركز الاهتمام على تطور العلاقات التجارية لتونس مع فرنسا والمجموعة الأوروبية بعد الاستقلال وإلى غاية إبرام اتفاق التبادل الحر بين الجانبين سنة 1969، وستبيّن هذه الدراسة مدى الأهمية التي كانت توليها فرنسا للحفاظ على الاطار القانوني لضمان هيمنتها على المبادلات التجارية الخارجية التونسية ولإستمرارية التبعية الاقتصادية والتجارية المطلقة لتونس إزاءها. وفي المقابل سنستعرض الخطوات المحتشمة التي بذلتها تونس خلال تلك الفترة لتنويع علاقاتها الاقتصادية والتجارية الخارجية سعيا للتخفيف من وطأة هذه التبعية الخانقة وذلك في اطار سياسة إزالة الاستعمار الاقتصادي الفرنسي التي كانت احدى الركائز الأساسية لاستراتيجية الآفاق العشرية للتنمية لمرحلة الستينات.
شراء السياسة ، تحشيد الجماهير و بيع الشعب
لا يمكن فهم السياسة بعد الثورة في ثلاثية الدولة و الحزب و الشعب إلا من خلال قولة كلود ليفي شتراوس “لا شيئ يشبه الأسطورة أكثر من الآيديولوجيا السياسية المعاصرة “. لم تفهم السياسة في تونس نظرا لافتقار أو لنقل الإفقار الذي تعانيه المدونة السياسية على أنها صراع وفق معايير “مدنية” و سلمية في علاقة بالخصوم و السلطة، و لكنها فهمت من منظور الإستدعاء المشحون للعناصر الأسطورية المكونة لوعي النخبة الحاكمة على أساس أنها ممارسة العنف الجماهيري ضد الخصوم.
لجنة مساندة شباب الجريصة وتاجروين: دعوة إلى وقفة احتجاجية
نحن نطلب من اتّحاد الشّغل أن يتبنّى قضيّة شباب الجّريصة وتاجروين وكلّ القضايا المتراكمة والرّاكدة في الرّقاب وسيدي بوزيد وقفصة وغيرها من قضايا تجريم الحراك الاجتماعيّ الّتي تسبّبت في شقاء مئات العائلات وتعميق الحيف والعزلة الّتي تعيشها. هذا هو الدّور الطّبيعيّ للاتّحاد الّذي سينجح فيه كلّما ابتعد عن دوائر السّلطة واقترب من نبض الطّبقات الكادحة والمحرومة والمضطهدة.
نحو جبهة ديمقراطية موحدة في الانتخابات البلدية القادمة
الرصيد الوحيد الهش والمكتسب هو التداول السلمي على السلطة، وهو ذاته أصبح محل تشكيك نظرا لأن قواعد اللعبة أصبحت تصاغ بقوانين أساسها تمثيل ديمقراطي ليبرالي تصنع ذخائره داخل لوبيات المال المحدد الوحيد لكل البنية السياسية الراهنة. آخر المعارك التي نحن نستعد لخوضها كقوى سياسية ديمقراطية داخل هذا المناخ الهشّ هي الانتخابات البلدية، بالتالي لنفكر في الحلول المتاحة.
العلاقات التونسية الفرنسية الأوروبية على مفترق طرق التاريخ (3)
تكتسي الآفاق العشرية للتنمية أهمية خاصة في التاريخ الدبلوماسي و الاقتصاد التونسي باعتبار أنها تشكل أول إستراتيجية وضعتها الدولة التونسية الناشئة خلال مرحلة الستينات لبناء اقتصاد انتاجي و التخلص من رواسب الاستعمار الاقتصادي الفرنسي و ذلك بعد تأكد الرئيس بورقيبة ان استرداد مقومات الاستقلال الحقيقي و التام يحتاج الى تبني أسلوب التخطيط الاستراتيجي و تولي الدولة التونسية، كفاعل إقتصادي رئيسي، السهر على إنجاز المخططات التنموية المجسدة لهذه الإستراتيجية. و رغم حصول هذا الخيار على تزكية البنك الدولي فانه اصطدم بصعوبات داخلية و خارجية من بينها الموقف الفرنسي المعارض المسنود داخليا من اللوبيات الفرنكوفونية التونسية المدعومة من فرنسا.
في فهم الفايسبوك السفلي
لو كان أفلاطون حيا الآن لأجاد بأنه ”إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب تطلع الفايسبوك الذي تزوره“. فهذا الموقع التواصلي أصبح المُعبر الأهم عن الزايتجايست التونسية. خلف الواجهة الأمامية و خلف حائط التواصل المتعارف عليه، هناك فايسبوك آخر يستعمل أدوات جمالية، أفكار إجتماعية، وتوجهات سياسية لها قوانين و ملزمات لا تطفوا إلى السطح إلى نادرا. هذا الفايسبوك العميق هو المُعبر الوحيد عن تونس التي لا نريد أن نراها. ما الذي يخفيه الفايسبوك السفلي التونسي؟
حول مشروعيَّة إحتجاجات الأطبّاء و محَاذِيرها
حادثة وفاة الوَلِيد في مستشفى فرحات حشَّاد بسوسة، وما رافقها من ردود أفعال مختلفة وتباين في وجهات النَّظر، تُعَدّ بمثابة الفتيل الذي أجَّج لهيبًا كان حَبِيس أروقة المستشفى و المصحَّات. رسَّخ التَّعاطي الإعلامي مع هذه الحادثة قناعةً قديمةً لدى الأطبَّاء تتمثّل في كونهم ضحايا لحملة تشويه منظّمة هدفها ضرب علاقة الثقة بين الطَّبيب و المريض و المواطنين بصفة عامَّة. حيث تبنّت بعض وسائل الإعلام الرِّواية القائلة أنّ الوفاة كانت ناتجة عن خطأ طبِّي قبل التَّحري في ملابسات الوفاة و ما حفَّ بها من ظروف.
هل كلنا مسلمون؟
إختزال التعاطي السياسي مع الأقليات الدينية في تونس في شكله الأمني أنتج إهتماما ثقافيا و إعلاميا محدودا بالأقليات المسيحية أو اليهودية. فكما ينعدم التمثيل السياسي لمسيحيي و يهود تونس في حكومة السبسي أو داخل الأحزاب السياسية بتنوعها فإن الحضور الإعلامي والثقافي للمتنمين لهذه الأقليات الدينية لا يتجاوز نسبة الصفر.
هل قرّر الناجي جلّول تعويض العربية بالفرنسية في التدريس
سفير فرنسا يدافع عن بلاده ويريد فرض لغتها على التونسيين وهذا تصرّف مشروع لأن نتيجته تنفع بلاده هو ، وبالمقابل يكون من واجب كل المسؤولين السياسيين الوطنيين في تونس أن يدافعوا عن مصالح بلادنا وعن استعمال لغتها الوطنية داخل حدودها لتسهيل استيعاب العلوم والرياضيات. وهذا ما ننتظره من السيد ناجي جلّول.
في مساعدة مايكروسوفت لنظام بن علي: أتيقا التكنولوجيا و الثورة المستمرة
لا يوجد شيء إسمه ”تكنولوجيا عفوية“. في إعادة التنصيص على العلاقة المشبوهة التي جمعت مايكروسوفت بنظام بن علي الدكتاتوري، أسعى إلى طرح بسيط لإشكالية أتيقا التكنولوجيا (Technoethics) داخل المجتمع التونسي الحالي. ما أود الدعوة إليه هو ضرورة مراجعة فهمنا لعلاقتنا بالتكنولوجيا و بناء تصور جديد سياسي-ثقافي أولا و شعبي-إجتماعي ثانيا قائم على وعي أكثر استيعابا و نقدا لقدرة و تأثير التكنولوجيا في صياغة ذواتنا و مستقبلنا في تونس مابعد الثورة خاصة في ظل الترويج لمشروع فاشي كالمعرّف الوحيد للمواطن.
المأزق التونسي
أنّ كلّ مشروع جذريّ يتخلّى عن جزء من الحكم باسم التّوافقات سيتخلّى تدريجيّا عن الجذريّة. إنّ كلّ من يقبل بلعبة التّوافقات مع المنظومة القديمة سيخدم الثّورة المضادّة وإن ادّعى المعارضة من الدّاخل لأنّه بذلك يغذّي وهم الدّيمقراطيّة البرلمانيّة القائمة على التّلاسن والتّضارب الكلاميّ العلنيّ والطّبخ السّياسيّ السّرّيّ.
مالذي يخفيه تسمية ثورتنا ب”ثورة البرويطة”؟
في محاولة فهم مغزى تسمية ثورتنا ب”ثورة البرويطة”، أرى أنه من المهم جدا أن لا نقع في خطأ وضع الساخطين على هذه الثورة في نفس السلة. فهناك جانب آمن بالثورة وشارك فيها في البداية ودافع عن افكارها و رأى فيها المعبر الأسمى عن أحلامه في تغيير واقعه و مستقبله غير أن المآل السيئ للثورة قصف بأماله فسخط عليها. و جانب آخر تمعش إقتصاديا و إجتماعيا من فساد نظام بن علي و رأى في نهاية حكمه الإستبدادي إنهيارا لعالمه الذاتي وهو ما جعله يكره الثورة وينقم عليها.