Blogs 803

كيف يرانا البوليس التونسي؟

خضنا ثورة مجيدة، تعاقبت الحكومات، كتبنا دستورا جديدا نص على كرامة الإنسان، أصبح سقف الحريات أرفع بقليل. لكن هناك ثابتة سلبية تقوض بشكل عنيف ما سلف ذكره: الشرطة التونسية. ما بين الخطابي والواقعي، تكمن هوة شاسعة في ديناميكية الرهبة والتجنب التي تجمع المواطن التونسي بالشرطي التونسي. يرانا الشرطي في تونس كما يرى الراعي قطيعه. مابين عقدة التضخم وغياب أي براغماتية إصلاحية، تماهى جزء من “الحاكم” بالدولة ليتحول في بعض الأحيان إلى جهاز خارجها.

جزيرة بانتلاريا الإيطالية والموروث التونسي

يذكر عن الأديب العالمي غابرييل غارسيا ماركيز قوله “لا أعلم مكانا على وجه الأرض يضاهي في روعته سطح القمر غير أن جزيرة بانتلاريا أجمل من ذلك بكثير”. بانتلاريا التي اشتق اسمها الحالي من اللفظ العربي “بنت الرياح” أو”قوصرة”، كما أطلق عليها المسلمون قديما. هي جزيرة صغيرة تبلغ مساحتها حوالي 83 كيلومترا مربعا، وتقع في مضيق صقلية على بعد 70 كيلومترا من شواطئ مدينة قليبية التونسية وحوالي 100 كم من مدينة “مازارا ديل فايو” بصقلية. تتوسط الجزيرة البحر الأبيض المتوسط، وقدكان بروزها من الناحية الجيولوجية مرتبطا بالتفاعلات البركانية في المنطقة حسب ما أثبتته عديد الدراسات العلمية. تشكل هذه الجزيرة موطن لقاء حضاري هام بين القارتين الأوروبية والإفريقية منذ القدم، ناهيك عن موقعها المركزي من الناحية الاستراتيجية ما جعلها منطلقا لعديد الغزوات البحرية من جانبي المتوسط.

قراءة في سبل تحقيق التثمين الصناعي لزيت الزيتون التونسي

ليس سرّا أن زيت الزيتون التونسي، وهو من أهم الثروات والصادرات الوطنية، يصدّر بنسبة 80 إلى 90 بالمائة كمنتوج خام وتخسر تونس نتيجة لذلك آلاف المليارات من الموارد بالعملة الصعبة لفائدة الأطراف الخارجية الأوروبية وخاصة إيطاليا، التي تستحوذ بهذه الطريقة منذ الاستقلال على جل المداخيل المتأتية من إعادة تصدير هذه الثروة بعلامات تجارية إيطالية بعد إنجاز عمليات التثمين الصناعي والتعليب وغيرها، وهي الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية المرتبطة بما يسمى بشبكة القيمة التي تحتاج إلى تكنولوجيات وتقنيات صناعية متطوّرة.

الثقافة في قانون المالية 2018: ميزانية الإهانة وركود الابداع

لن أذهب بعيدا قبل أن أذكّر بوعد الرئيس الأسبق بن علي في 2009 في آخر حملة انتخابية له المتمثل في تخصيص 1 بالمائة من مجموع ميزانية الدولة للثقافة. وقد كان على وعده وتم ضبط هذه الزيادة على أربع سنوات من 2010 إلى 2013. وبفعل الثورة ناهزت هذه الميزانية 1 بالمائة في الميزانية التكميلية سنة 2011. أما الترويكا المجيدة وبفعل تعزيز وزارة الشؤون الدينية وتعبئة جيوب أنصار الاسلام السياسي وغيرها من الخزعبلات المشكوك في جدواها خفضت هذا التخصيص حيث وصل الى حدود 0.63 بالمائة بفضل إيمانها الشديد بدور الثقافة خاصة في مرحلة الانتقال الديمقراطي ووفاءا منها لوعودها الانتخابية. من الترويكا الأولى الى الترويكا الثانية، نلاحظ عودة إلى زعزعة العمل الثقافي. وكنا نتصور أن بعض الموقعين على وثيقة قرطاج سيسعون إلى الدفاع عن حظوظ الثقافة، إلا ان الترويكا الجديدة قضت عليهم وعلى إيمانهم المعلن بالثقافة.

أيام قرطاج السينمائية وارتباكات اللّغة

أيام قرطاج السينمائية تظاهرة ثقافية عريقة، تُعنى بالسينما العربية والإفريقية. تأسّست سنة 1966 لتكون فرصة دعم لسينما الجنوب والنهوض بها في كنف رؤية ملتزمة بقضايا الشعوب المناضلة وبتكريس ثقافة بديلة. التأمت من 4 إلى 11 نوفمبر الجاري الدورة 28 وهي الدّورة الخامسة بعد أحداث 2011. شهدت هذه الدورة تحسّنا ملحوظا في التنظيم خصوصا مقارنة بالدورة السابقة رغم أنها لا تزال تشكو من ثغرات تنظيمية عديدة قد يكون من أسبابها عدم وجود فريق عمل قار ومتفرّغ على مدى السنة. ومهما تكن الأسباب أردت -من باب النقد البنّاء- أن أشير إلى بعض الخلل الذي حصل في جانب مهمّ من جوانب المهرجان حسب رأيي، ألا وهو الجانب اللغوي، وهو خلل كان بالإمكان تفاديه بقليل من الإنتباه والتنظيم. وسأتطرّق إلى هذا الخلل من خلال ثلاثة جوانب: وهي موقع الواب ويومية المهرجان وحفليْ الافتتاح والإختتام.

تونس الأخرى بين مطرقة السياسات الامنية وسندان القضاء

فرض ميزان القوى الذي أنتجته الثورة على الحكومات المتعاقبة إجراء إصلاحات في الأجهزة البوليسية لكنها ظلت غير قادرة على مواجهة بعض الممارسات المتجذّرة. سبع سنوات تقريبا من اندلاع الثورة تغيبت خلالها شبه كليا مسألة التسلط الأمني والتعسف القضائي كقضية مفصلية عن الساحة السياسية وهذا يعود أساسا إلى انقلاب موازين القوى الذي أنتجته الثورة والذي تولّد عنه إقصاء المجموعات المضطهدة من المح‍ڤورين من العملية الديمقراطية وإخماد صوتهم، فمركزيتهم و مركزية مطالبهم لم تدم طويلا ونجحت الثورة المضادة في إعادتهم إلى الهامش.

ثورة، انتفاضة أم انقلاب؟

تعتبر الثّورة التونسيّة اليوم نموذجا يضرب به المثل على صعيد الديمقراطيّة والحريات، لاسيما عندما نقارنها ببقيّة تحرّكات الرّبيع العربي التي لم تعرف نجاحا مماثلا. ورغم تمجيد هذه الثّورة في كلّ المحافل الدوليّة واعتراف كلّ البلدان بالشّوط الهامّ الذي قطعته تونس، فإنّ الأطراف السياسيّة في الدّاخل تختلف في تقييم التّجربة. كلّ يعطي القراءة التي تناسب مصالحه وإيديولوجيّته. إضافة إلى ذلك لم يتمكّن المؤرخون من الاتفاق على توصيف واحد، نظرا لضبابيّة الأحداث وتعدّد الرّوايات وعدم توفّر المعطيات الكافية لتقديم تصوّر لما حدث. اليوم وأمام تصاعد منسوب التشاؤم والتحسّر على الماضي أصبح من الضروريّ الحسم في هذه المسألة وتحديد طبيعة ما حصل سنة 2011.

الفصل الثاني من الانتقال الديمقراطي في تونس: المفهوم الناشئ للتداول على الحكم

مسارات عدّة حكمت الانتقال نحو النظم الديمقراطية الحديثة في العالم. السبيل الأول كان المسار الجامع بين الرأسمالية والديمقراطية التي رَسمتها سلسلة من الهزات الثورية العنيفة على غرار الثورة البيوريتانية (التطهيرية) الفرنسية والأمريكية والتي خلقت الشكل العالمي الحالي للديمقراطية. أما الشكل الثاني فكان سبيلا رأسماليا بدون آليات ثورية عنيفة وبآليات رجعية ليبلغ ذروته بالفاشية كما حدث في ألمانيا واليابان دون أن ننسى التغيير الشيوعي في الصين وروسيا. تونس، بلد طَرفي صغير لم يشهد طريقا تقليديا شبيها بكل مسارات التغيير المذكورة، وعاش مسارا تحديثيا سلطويا مع الحبيب بورقيبة انتهى بالفشل السياسي والاقتصادي وكَوّن القاعدة المادية للشرائح المسيطرة حاليا.

موضة تأسيس الأحزاب ومعضلة البرامج

تعتبر حريّة التنظّم السّياسي من أهمّ مبادئ النّظام الدّيمقراطي ومن أبرز ركائزه. وهي حريّة منصوص عليها في مختلف المواثيق الدوليّة المتعلّقة بحقوق الإنسان. لكلّ فرد الحقّ في التّعبير عن مواقفه السياسيّة والمشاركة في عمليّة صنع القرار. لطالما كانت هذه الحريّة في تونس حكرا على مجموعة بعينها، لا تسمح لأحد أن ينافسها أو أن يحاول السّير عكس التيّار. كان التجمّع الدّستوري الحزب الأوحد الذي سيطر على مفاصل الدّولة وأصبح جزءا لا يتجزّأ منها. ولئن وُجِدت بعض الأحزاب الأخرى المعترف بها، فهي في غالبها أحزاب كرتونيّة يساند مرشّحوها الرئيس الأسبق بن علي رغم أنه منافسهم في الانتخابات. لكنّ الثّورة غيّرت كلّ المعطيات وأتاحت للجميع فرصة تأسيس الأحزاب وفتحت اللّعبة السياسيّة لكلّ الأطياف. يبدو أنّ هذه الحريّة أفرزت نتائج عكسيّة: ففي ظلّ كثرة الأحزاب وغياب تامّ للبرامج، عزف المواطن عن العمل السّياسي ولم يعد ينتظر الكثير من نخبة أخلت بوعودها.

هل تغيّرت النّهضة فعلا؟

لا شكّ أنّ حركة النّهضة اليوم لم تعد الحزب الذي عرفناه سنة 2011، فمنذ انطلاق تجربة التّوافق لم يتوقّف قياديّوها عن الحديث عن الفصل بين الدّعوي والسّياسي. وهو ما لم يكن متوقّعا ولا ممكنا في السّنوات الأولى بعد الثّورة. فلطالما استغلّ الإسلاميّون العاطفة الدينيّة لاستمالة النّاخبين في غياب تامّ لأيّ مشروع أو رؤية واضحة للبلاد. وكانت هذه المرجعيّة الدينيّة وَسِيلتهم الوحيدة للوصول إلى السّلطة وللحصول على الدّعم من بعض البلدان لاسيما عندما كان المناخ الدّولي ملائما لوجودهم. أمّا اليوم فالنّهضة كالحرباء تتلوّن تماشيا مع المعطيات الإقليميّة والعالميّة الجديدة. وهو ما جعل الكثيرين يعتبرون أنّ هذا التغيّر ليس إلاّ ورقة سياسيّة تضمن لها مواصلة نشاطها.

حدثت الذكورية السامة قالت

هل يمكن لفنانة تونسية اليوم أن تُعلن بشكل صريح وعلى الملأ عن واقعة تحرش جنسي تعرضت لها؟ ماذا عن المرأة التونسية في واقعها المليء بتجارب العنف الجنسي؟ في ظل أي رغبة اجتماعية أو سياسية فعلية، أصبحت الذكورية السامة في تونس مرضا متفشيا تعانيه المرأة في تونس بشكل يومي بغض الظن عن انتماءاتها الجغرافية والدينية والطبقية.

الجميع في الحكم… لكن لا أحد يحكم

مرّت ثلاث سنوات بعد المصادقة على دستور 2014، الاستثناء العربي في تكريس مبادئ الديمقراطيّة والتعدّدية. ولكن مع اقتراب موعد مغادرته قصر قرطاج، أبدى رئيس الجمهوريّة تذمرّه من نظام الحكم الحالي وتَفنّن في تعديد عاهاته، مطالبا بضرورة تعديله حتّى تتضح ملامح النّظام الذي لم يمكّنه –بصيغته الحالية- من الالتزام بوعوده الانتخابيّة. وتعالت أصوات المُطبّلين الذين سارعوا إلى تمجيد هذا القرار الحكيم والذي سيجعل من تونس سنغافورة إفريقيا. موقفي هذا لا يعني أنّ دستور سنة 2014 لا يخلو من المساوئ، بل بالعكس أرى أنّه من الحكمة التأنّي قبل مساندة هذا الاقتراح أو معارضته.

محرقة الكاباس 2017: عندما يدفع الأساتذة الناجحون ضريبة املاءات صندوق النقد الدولي

أعتقد أن ملف الناجحين في الكاباس في دورتها الحالية سنة 2017 يندرج في سياق عام يرتبط بنقطتين أساسيتين وهما الاصلاح التربوي وسوق الشغل. هذا الملف صَاحَبه في بداياته تعتيم اعلامي لا نعتقد أنه كان بريئا وهو ما أقرّ به أحد الصحفيين المشتغلين بإحدى القنوات التي تسدد أجور موظفيها من أموال دافعي الضرائب وأقصد هنا التلفزة الوطنية التي مازالت مقيدة نوعا ما بسياسة التعليمات، كذلك ما جوبهنا به من صد لدى المسؤولين في وزارة التربية التي تنصلت بصفة جلية من مسؤولياتها وقَابلت من هم منتمون إليها (الأساتذة الناجحون في كاباس 2017) ببيان صادم حين نعتتهم بالمتجمهرين وكأنهم جسم دخيل عليها، وذلك رغم أننا اجتزنا مناظرة وطنية هي نسخة مطابقة للأصل من سابقاتها من الناحية العملية والاجرائية الصرفة.

عندما ينحني الرؤساء للتلاميذ، تسقط قلعة “الفارينة” الفاخرة !

جاءت واقعة إخراج المسؤولين المحليين بسوسة للتلاميذ من المؤسسات التربوية بغاية حشدهم لموكب استقبال رئيس الجمهورية -حتى لا يقال عنهم “الجماعة ما فرحوش بينا”- لتـُعرِّي فينا أشياء قضّينا ستّة أعوام ونحن نتوهم ذهابها. فبين قائل بمشروعية هذا الإخراج والقائل بعدمها، يلوح للعيان استمرار التداعيات الثقافية للنظام السابق، وتغلغلها في السلوك النفسي واختراقها سُلّم القيم. هذا وقد سارع المسؤولون، على اختلاف مراتبهم، إلى تقزيم هذه التداعيات بخطاب اتصالي تزويقي، يتعللون فيه زيفا ببراءة الأطفال الذين “خرجوا تلقائيا” وما كان للسلطة إلا أن استجابت لهم. في حين كان للشبكات الاجتماعية حديث آخر ومخاضات أخرى.

المعارضة في تونس: صراع البقاء

يبدو أن المعارضة في تونس محكوم عليها أن تخوض صراع البقاء تحت أنظمة، إن لم تكن تقمعها فهي تحقّرها. من السريّة في فترة حكم بورقيبة و بن علي إلى التّهميش والتّقزيم خلال مختلف مراحل الانتقال الدّيمقراطي، حاول المعارضون دائما الصّمود أمام تعنّت الحكّام، لكن أيضا أمام الخلافات التي تشتّتهم. لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ الثّورة فسحت لهم المجال للتعبير والمشاركة في صياغة القرار، لكن ما فائدة ذلك عندما لا تكون أصواتهم مسموعة واقتراحاتهم ذاهبة في مهبّ الرّيح؟ لم يخف الرّئيس الباجي قايد السبسي تذمرّه من تصريحات معارضيه وقد تجلّى ذلك خاصّة خلال حواره الأخير الذي نعت فيه حمّه الهمّامي بالفاسق، موقف يؤكد أنّ الضّمانات التي أتى بها دستور سنة 2014 بخصوص تشريك المعارضة لم تصبح بعد إيمانا راسخا في ذهن الحكّام.

البوعزيزي: كيف تتحول ردة فعل فردية إلى منعرج جيوسياسي تاريخي

يتساءل المتأمل في الساحة الدوليّة اليوم عن سبب تسارع الأحداث وتغيّر المعطيات على المستوى المحلي والعالمي، إذ لم يعد شيء كما كان عليه منذ أقل من عقد: ربيع عربي أطاح بطغاة تشبثوا بعروشهم، تنظيم إرهابيّ يبثّ الرعب في القلوب، خلافات دفينة بين معسكر غربيّ وآخر شرقيّ طفت على السطح وأصبحت جليّة وغيرها من التحولات التي شهدها العالم في ظرف وجيز. ومن مفارقات الحياة أن يكون المتسبب في هذه الأحداث بائعا بسيطا في بلد لم يكن تُسمع عنه سوى وجهاته السياحية الرخيصة وجوّ “الأمن والأمان” الذي يسوده.

مقهى “اللوح”: حكاية فضاء ثقافي أغلِق بسبب هيئة مرتاديه

إن تسلح القوى المُهيمنة بالقمع غير المباشر للثقافة الثورية باعتماد ترسانة ضخمة من السيطرة على مداخل القانون وطرائق توظيفه بما يتلاءم مع مقتضيات مصلحة الفئة المسيطرة، جعل من الأفكار المجددة و القافزة في بحار الثورة وبالا على أصحابها. انتهى وائل محمدي صاحب الخمس وثلاثين سنة إلى غلق حلم بناه بحبات عرق تناثرت خارج تونس الخضراء طيلة إحدى عشر سنة. من فنلندا إلى السنغال، إلى 25 ديسمبر 2010 حين عزف لحن الثورة، عاد مهندس الصحة و السلامة المهنية حاملا قيثارته، طامحا في مشاركة بقية التونسيين رَسم واقع ثقافي يتلاءم مع مقتضيات السفر نحو مستقبل أفضل.

السبسي في سوسة: زيارة بنكهة 7 نوفمبر

عشرات الملايين ذهبت هباءا منثورا بسبب تزيين الطرقات وتعليق الصّور ولافتات عملاقة بعضها للرئيس والبعض الآخر ترحيبا بزيارته “المباركة” لولاية سوسة، إحدى أكبر الولايات المصوّتة لحزب نداء تونس والباجي قائد السبسي في انتخابات 2014.