أعلن رئيس الحكومة في 19 جوان عن “تفعيل مبدأ التمييز الإيجابي في التوجيه الجامعي” إستنادا للفصل 12 من الدستور. تظل الآراء متضاربة بين الترحيب بهذا القرار واعتباره خطوة إيجابية في إصلاح المنظومة التعليمية، من جهة، ومعارضته باعتباره ذرّا للرماد في العيون لا يرتقي ليكون جزء من الحل الإصلاحي. لكن في غياب بلورة قانونية واضحة لهذا القرار سواء في صيغته أو في كيفية تطبيقه، يبقى حسم الموقف تجاهه أمرا صعبا.
فشل المنتخب الوطني ورداءة الخطاب العام
بعد خروج منتخب كرة القدم من الدور الأول من بطولة كأس العالم إثر خسارتين ضد إنجلترا وبلجيكيا، تحولت ردود الفعل العفوية إلى محاولات تنظير مشبوهة انقسمت في أغلبها إلى ثلاث محاور: أولها بأن التونسيين ليست لديهم الذهنية الإحترافية، ثانيا بأن الإستعانة بالدين أو تديّن اللاعبين والمدرب هو نوع من التخلف أو التفسخ، وثالثا أن العرب لا يفقهون شيئا فهم “أعراب” سُذّج، قليلو التبصُّر بأمور الكرة ونواميسها، عكس الغرب. محاولات التنظير المُقَزّمة ليست لها علاقة بمستوى المنتخب الوطني أو بمردود لاعبيه أو باختيارات مدربه، بل تعكس غالبا أطر تفكير مردّديها كما هو الحال في السياسة أو الثقافة أو الإقتصاد. من جهة أخرى، جميع هذه المحاولات هي نوع من جلد وكره الذات الذي أفرزته صيرورة الإيديولوجيا النيوكولونيالية، التي مازالت معششة في طرق التفكير وأدوات الحوار لدى التونسيين. هذه السلبية النيوكولونيالية تبرز في الخطاب الجماعي الذي يجب تفكيكه وإخراجه من حيزه الشعبي.
من فرض أحادية الطرح إلى تعدد زوايا النظر
استغرب أن يتجشم فؤاد الغربالي، وهو باحث في علم الإجتماع عناء الرد على افتتاحية بدت له أنها مفتقرة “للموضوعية وقيم النقد والتحليل العقلاني” وفيها “مغالطة”. فإن كانت كذلك فلم يهدر الوقت والطاقة للرد على “خطاب تبسيطي ومتهافت”؟
هجرة الأدمغة و”الحرقة” في تونس: نزيف يتواصل من الجانبين
تكتظ قاعة الانتظار الفسيحة بعدد كبير من الشباب الذين ينتظرون دورهم، هناك في القاعة الأخرى ينتصب عدد من المكاتب، يختص كل موظف فيها بالاجابة عن تساؤلات الذين يطمحون للهجرة إلى كندا. تقول موظفة الاستقبال أن هذا العدد يعتبر قليلا مقارنة بالعدد الذي يسجله المكتب خارج شهر رمضان. هنا في مكتب من مكاتب الهجرة إلى كندا والتي تنتشر وسط العاصمة التونسية إلتقينا ايمن .ع، مهندس في الإعلامية، دفع بملفه منذ 2015 وحصل على الموافقة المبدئية قبل أيام. تقول أرقام منظّمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن أكثر من 94 ألف كفاءة قد غادرت البلاد بين سنتي 2011 و 2017.
المثقفون المغالطون وكلاب الحراسة الجدد في تونس
بعد قراءة افتتاحية المغرب بقلم الأستاذة أمال قرامي بتاريخ 06 جوان 2018 بعنوان ”تعديل البوصلة”، والتي خصصتها لكارثة غرق مركب يُقل أكثر من 180 مهاجر غير نظامي قضى أكثر من نصفهم، جعلني أعيد طرح ذلك السؤال القديم الجديد المتعلق بدور المثقف في الفضاء العام، فهل عليه أن يكون منحازا إلى ”الضعفاء“ و”المُهيمن عليهم“ أم أن بإمكانه أن يختار السلطة ويكون صوتها؟ أليس هنالك نوع من الالتزام الإتيقي للمثقف إزاء المجتمع، أي أنه مُلزم بالقول المعرفي الذي يساعد المجتمع أن يتفكر على نحو انعكاسي من خلال المعرفة التي ينتجها المثقف حوله؟
حصاد الموسم السياسيّ: يا أحرار تونس انتبهوا؛ إنهم يكرهون الديمقراطيّة
ينغلق في هذه الأسابيع، مع حلول شهر الصيام، الموسم السياسيّ السابع منذ الثّورة. فتنسدل ستائر العام السياسيّ بنجاح نسبيّ لا محالة عبّرت عنه تعبيرا باهتا الانتخابات البلدية بنتائجها عددًا وبرسائلها سياسةً. ورغم عيوبها السافرة من حيث المشاركة ومن جهة النتائج فمن الغباء المُلهي عن الحكم الصحيح إنكار ثقلها في استكمال بناء مؤسّسات الانتقال الديمقراطيّ ومن الظلم القائم إنكار فضل من قام عليها وشارك فيها ترشحا وانتخابا. لكن النّجاح النسبي الذي مثّلته هذه الانتخابات لا يجب أن يحجب عنّا خطر حالة الانسداد السياسيّة وتعطيل عمل المؤسّسات ودعوات الردّة والتشكيك والانقلاب على الثقافة الدستورية الديمقراطيّة الوليدة عندنا.
النهضة ومغامرة قطع حبل الود مع نداء السبسي الابن
مثلما كان إعلان “التوافق” بين شيخي السياسة في تونس، الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، الحدث السياسي الأبرز في البلاد عام 2014، يؤذن إعلان الرئيس تعليق العمل بوثيقة قرطاج، التي انبثقت عنها الحكومة الحالية، بدخول تونس مخاض ولادة جديد لمشهد سياسي مغاير بتوازنات مختلفة، ينقطع فيه حبل الود بين نهضة الغنوشي ونداء السبسي الابن.
الإفطار في رمضان: معركة المواطنة ضد البوليس، لا معركة الفطّارة ضد الصيام
يطرح شهر رمضان نفسه ككل سنة مجالا لذاك الصراع الأزلي بين “الأقلية” و”الأغلبية”. ويعتبر فرصة سنوية لهذه “الأغلبية” حتى تطلب فيها صكوك الولاء و الطاعة من “الأقلية”، تلك الشرذمة التي أضلّت الطريق. وتشتغل الآلة القمعية لـ”دولة النمط” -ككل سنة من رمضان- في ملاحقة المفطرين وإغلاق المقاهي التي تفتح أبوابها في وضح النهار، إذ أن وزارة الداخلية نَصّبت نفسها حارسة لمعتقدات الأغلبية، ليس من خلال ضمان الحق في الإعتقاد وممارسة الطقوس الدينية والعبادات بكل حرية بل عبر ممارسة الغطرسة على بقية المواطنين الذين لهم رأي آخر.
جيش الطباشير ويوميات الصمود الساخر: ”باش يقصو الشهرية؟ خلّي يقصو“
“سأحجز جناحا في السجن مع زوجي وأبنائي”. كانت هذه إجابة حنان، أستاذة تقنية بمدرسة إعدادية وأم لابنين، عندما توجّهتُ إليها بالسؤال عمّا سيحصل بعد تهديدات وزارة التربية الأخيرة بقطع الرواتب وتلميح بعض الدوائر بإمكانية الحكم بالسجن على الأساتذة اللذين سيواصلون حجب الأعداد. توقّعتُ أن أجدها في حيرة من أمرها، لكن على عكس ذلك وجدتها ضاحكة، ساخرة وسعيدة بإمكانية قضاء أيام راحة مع زوجها، هو أيضا أستاذ من حاجبي الأعداد. أحمد هو الآخر أستاذ إيطالية، أشار إلى أن قطع الرواتب لن يغيّر شيئا بالنسبة له “فما الفرق بين 1000 دينار في “الروج” و2000 دينار؟”. أما نجوى، سجينة سياسية سابقة، تناولت المسألة بكل تجرّد “كان على الحبس أنا مستانسة بيه”.
إضراب التعليم العالي: التمثيلية النقابية بين القانون وأهواء الوزير
تعيش الجامعة العمومية اليوم على وقع إضراب إداري تخوضه نقابة الأساتذة الجامعيين الباحثين (إجابة) منذ جانفي 2018 على خلفية جملة من المطالب، التي أقرت سلطة الإشراف بمشروعيتها ولكنها رفضت الجلوس على طاولة التفاوض معها مستندة إلى أن هذه النقابة لا تشكل “الأكثر تمثيلية”، وهو ما أدى إلى تعميق الأزمة واحتدام حالة الاحتقان في الأوساط الجامعية في ظل تشبث الوزير بالتفاوض مع “النقابة الأكثر تمثيلية” -على حد تعبيره- وهي حسب تقديره الشخصي الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، وبذلك أخذت الأزمة بعدا قانونيا. فما مدى وجاهة موقف وزير التعليم العالي والبحث العلمي من الناحية القانونية؟
تونس-فرنسا: الإرهاب، تحدّ مشترك لضفّتي المتوسط
منذ سنة 2015، وخلال النقاشات الدورية التي جمعتنا بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لفت انتباهنا تقارب الأوضاع بين فرنسا وتونس بخصوص مسألة الإرهاب، من ضمنها؛ إقرار حالة الطوارئ كإجراء طبيعي، والجدل حول سحب الجنسية وحول الشباب المهمش أو الذي أضاع بوصلته، والرابط بين السياسات السجنية والتطرف… من خلال مسألة الإرهاب، وخلف الروابط التاريخية التي تجمع الدولتان، لاح لنا أن المجتمعين الفرنسي والتونسي، كمجتمعين شقيقين، يمران بصعوبات مشتركة. وقد تبعتها نقاشات بين CCFD-Terre solidaire و”أورينت XXI”، وهكذا وُلدت فكرة القيام بتحليل مقارن بين فرنسا وتونس بخصوص مسألة الإرهاب.
انقلاب المفاهيم: من جمهوريّة أفلاطون إلى جمهوريّة البوليس
قد يبدو العنوان غريبا وغامضا للبعض، خاصّة في جزئه الأوّل. لذلك وجب التوضيح أنّه، ومنذ ظهور فكرة الجمهوريّة التي وضعها أفلاطون وبسط تفاصيلها على لسان سقراط وتلاميذه، برز تفاوت الطبقات وانفراد كلّ مجموعة بشريّة بمهام معيّنة وامتيازات تبعدها الواحدة عن الأخرى. لن ندخل في جدال فلسفيّ (ليس هذا مجاله) بل سنحاول شرح انقلاب المفاهيم من خلال اسقاط نموذج الجمهوريّة الأفلاطونيّة على الجمهوريّة التونسيّة أين ينتج الفارق الطبقي مجموعة من الإشكاليات الحرجة التي تتطلّب تفكيرا عميقاً في أسباب نشأته واستتباعاته على الحياة اليوميّة للمواطن. والمقصود هنا ليس التفاوت الطبقي بمفهومه الماركسيّ بل هي قراءة في اقتحام الجهاز البوليسي المشهد من خلال استفراده بطبقة خاصّة به أين يكون رجل الأمن فوق القانون وغير خاضع لأيّ رقابة أو محاسبة.
من ”أبرياء من دماء الشهداء“ إلى ”تعلّم عوم“: 7 سنوات من الهشاشة الزرقاء
رحل الدكتاتور وبقي البوليس على حاله. السنة السابعة بعد الثورة والحال على ما هي: قمع وتعذيب واستهزاء بأرواح الناس، آخرها عمر العبيدي الذي مات غرقا تحت أعين الأعوان الشامتة. قد سبق عمر شابان آخران مطلع هذه السنة: خمسي اليفرني الذي مات دهسا تحت عجلات سيارة الشرطة وبشير السماتي الذي مات تحت التعذيب. هذه السنة شهدت كذلك وقوع مهزلة بن عروس أين حلّت جحافل البوليس بمعدّات وتجهيزات الدولة لتحاصر المحكمة حتى الإفراج عن زميلهم المتهم بالتعذيب. إن كانت فترة الدكتاتورية هي فترة استعمال النظام لجهاز البوليس لحماية نفسه، فإننا نشهد اليوم فترة استقواء البوليس على البلاد والعباد واستهتاره بمؤسسات الدولة. هذه الأسطر هي محاولة لفهم ما حصل خلال السبع سنوات الماضية حتى وصلت بنا الأمور لهذه الدرجة من الخطورة.
حملة “مانيش مسامح” تتحرك من جديد
تجمّع يوم الثلاثاء الفارط عدد من الناشطين السياسيين والاجتماعيين أمام المسرح البلدي بالعاصمة، مندّدين بما اعتبروه انقلابا على العدالة الانتقالية وخرقا واضحا للقانون المؤسس لهيئة الحقيقة والكرامة وعلى القانون الداخلي لمجلس النواب. وجاء هذا التحرك إثر دعوة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تم خلاله رفع شعارات عديدة من قبيل “الشعب فد فد مالطرابلسية الجدد” و”يسقط حزب الدستور يسقط جلاد الشعب”. وقد أعلن في اجتماع عام الناشط السياسي و عضو حزب التيار الديمقراطي قصي بن .فرج عن بداية لمجموعة من التحركات الاحتجاجية للتصدي لما اعتبره حيادا عن مسار العدالة الانتقالية
الإستقلال و”الإستعمار الداخلي“ في تونس لدى الصغير الصالحي
في مراجعة التاريخ التونسي والفرنسي قبل الاستقلال وبعده، يتضح أن الإستعمار الفرنسي مازال بيننا. ومثلما تشير إلى ذلك الوثائق والمستندات التاريخيّة التي نشرتها هيئة الحقيقة والكرامة مؤخرا، فإن أدوات وآليات الاستعمار مازالت تنخر الاقتصاد التونسي وتسيطر على السياسي والاجتماعي في تونس. من خلال مراجعة لكتاب الصغير الصالحي ”الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة، منظومة التهميش في تونس نموذجا“، يسعى هذا المقال إلى تفكيك الفكرة القائلة بأن الاستعمار انتهى بخروج آخر جندي فرنسي. جنود مدنيين جدد في الداخل والخارج مازالوا مهتمين بصيرورة نوع آخر من الاستعمار منمّق الملامح: الاستعمار الداخلي.
كرة القدم في تونس: محاولة لتفكيك علاقة المشجّع بالبوليس
عادة ما يتّسم الجوّ في مجال كرة القدم بالتنافسيّة العالية التي تنحاز تدريجيا عمّا عرفته هذه الرياضة من روح رياضيّة في بداياتها. اذ دخلت في منطق النجاعة والربح الأقصى (المادي أو حتى على مستوى النتائج). وهي عوامل يستبطنها الفرد/ المشاهد لكرة القدم وينساق، لاشعوريا، ضمن نظرة أحاديّة تحتكم الى منطق الأنا ضدّ الآخر/ فريقي ضدّ الفريق الخصم ومحاصرا في المدارج من طرف رجل الأمن وقد انخرط، لا إراديا، في رهان معنوي.
«طبِّق القانون وخلّي البحث يْجيب»
يكرّس دستور الجمهورية الثانية العديد من الحقوق المدنية والسياسية والحريات الأساسية التي تم إقرارها من خلال نصوص دولية عديدة، ويضع كذلك آليات ضمان لعلوية الدستور وتطابق التشريعات والقرارات التنفيذية والقضائية مع نصه الواضح في الجانب المتعلق بالحقوق والحريات كالمحكمة الدستورية. يُجابه هذا التكريس -في غياب هذه الهيئة القضائية الدستورية وإقحامها في صراعات سياسية- بالازدراء الواضح الذي تبديه السلط التنفيذية عبر تاريخ ملئ بالتجاوزات تنتقل في بعض الأحيان من ممارسات فردية إلى سياسة واضحة المعالم.
المساواة في الميراث بين الشريعة والقانون الوضعي
تعمّد المشرّع التونسي في ظلّ سيادة الجمهوريّة الأولى الحفاظ في الأغلب على الصيغة التقليديّة الدينية لنظام الأحوال الشخصيّة، لكنّه أقرّها في نصوص وقوانين وضعيّة، أي أنّ المرجع خلال الجمهوريّة الأولى لم يكن القرآن بل القانون الوضعي الذي تجسّد في فصول مجلّة الأحوال الشخصيّة. رسّخ بذلك القائمون على الجمهوريّة الأولى حالة من الوضعيّة لا تفصل بشكل صارم بين النظام القانوني والمنظومة العقديّة، أو على الأقلّ في جزئها المتعلّق بالميراث. وقد وقع تبنّي هذا المنهج المرن من قبل السلطة السياسيّة في تلك الفترة تفاديا للضغط الاجتماعي الذي قد يتولّد من إصدار أحكام وقواعد قانونية صادمة للرأي العام أو متعارضة في جوهرها مع المنظومة الدينية لأغلبيّة الشعب.