سنة مرت، 365 يوما، جلسات مكافحة بين الشهود والمتهمين، 12 شهر من الأبحاث، عشرات الوقفات الإحتجاجية، عشرات الحصص الإعلامية، صفر إيقافات، مقابل سبعة عشر متهم، كلها منذ وفاتي واستشهاد إبني عمر العبيدي.

سنة مرت، 365 يوما، جلسات مكافحة بين الشهود والمتهمين، 12 شهر من الأبحاث، عشرات الوقفات الإحتجاجية، عشرات الحصص الإعلامية، صفر إيقافات، مقابل سبعة عشر متهم، كلها منذ وفاتي واستشهاد إبني عمر العبيدي.
قد يموت أقرب الأشخاص إلينا، قد يموت من ننتصر لهم، قد تموت الثورات، لكن يبقى السؤال ذاته :مالذي يمكن أن نفعله أمام الموت ؟ رغم ما يردد عن الموت، فإن خوض تجربة الفقد على الصعيد الشخصي كفيل بتفكيكنا وتحويلنا إلى مخلوقات جديدة في علاقتنا بالأخر وبالحياة. الموت هو حالة غريبة غرابة التعبير عن اللانهاية.
مهنة الصحافة والإعلام من الناحية النظرية تعد عين، وعقل، وضمير المواطن والوطن، ومن المفروض انها أداة الشعب لمراقبة جميع سلطات ومؤسسات الدولة وفضح الفساد ان وجد، ومن المفروض ان تلقي الضوء على الحسنات والسيئات، ومواضع الضعف، وأماكن القوة، ومشاهد القبح وصور الجمال، وهي في الوقت نفسه همزة الوصل بين النظام الحاكم والمواطن، هي أداته ونافذته لتشكيل الرأي العام في القضايا المصيرية، ونافذته لمخاطبة المواطنين وتعريفهم بالقرارات والسياسات والقوانين وغيرها. وكذلك أيضا من الناحية النظرية، الإعلام يُسهِم في تشكيل أفكار الأمَّة، وهذا التشكيل إمَّا أن يكون عاملَ بِناء يَحثُّ على التقدُّم والتنمية والتماسُك، وإمَّا أن يكون عاملَ هدْم يُحدِث اضطرابًا وقلَقًا فكريًّا واعتقاديًّا، بل واجتماعيًّا.
في هذه الرسالة المفتوحة، يخاطب المنسق العام المساعد لاتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين “إجابة” الرئاسات الثلاث حول عدم التزام وزارة التعليم العالي بتعهداتها مع النقابة والتبعات الوخيمة لذلك.
كلما تحدث التونسيون عن أوضاع البلاد إلا وانحصر اهتمام الكثيرين منهم، سواء كانوا مواطنين عاديين أو سياسيين، على ما يرون أنها أولويات مستعجلة وطالبوا بالتسريع في تنفيذها حتى في غياب استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات وأي تداعيات سلبية محتملة وقد يكون هذا التمشي هو أحد أهم أسباب فشلنا إلى حد الآن في إيجاد الحلول الناجعة لمشاكلنا المتراكمة والمتفاقمة. في الواقع المطلوب اليوم هو برنامج يعتمد على 3 أو 4 مبادئ عامة وعلى 3 أو 4 ركائز أساسية تجعل التونسي يحلم بمستقبل أفضل وكلمة “يحلم” هنا مهمة جدا لأنها هي التي ستزرع الأمل في إمكانية تغيير الواقع إلى الأفضل وتخلق الحماس الضروري لجعل التونسيين يصبرون وينخرطون بأعداد كبيرة في مسيرة الإصلاح والتغيير والبناء.
في أواخر ثمانينات القرن الماضي وصلت البشرية إلى مرحلة هامة جدا من التطور التكنولوجي باختراع آلات الكمبيوتر الشخصي الجديدة الذي أبهرت العالم ومكنت من إيصال هذه التكنولوجيا إلى عامة الناس بسعر في المتناول بعد أن كانت حكرا على المؤسسات الكبرى. وقبل أن يزول هذا الانبهار جاءت الانترنات أواخر التسعينات لتخلق واقعا جديدا كسر حواجز الجغرافيا وجعل كل العالم قرية صغيرة متصلة تنتقل فيها المعلومة تقريبا بصفة آنية. ومع نهاية العقد الأول من هذا القرن اكتسحت الهواتف الذكية والتطبيقات الخارقة التي جاءت معها واقعنا هذا حتى تكاد تصبح بدايات الانترنات نفسها من التاريخ البعيد بحيث لا يمكن أن نتخيل عالمنا دونها.
تتغيّر المدرسة اليوم بسرعة كبيرة في سبيل الرقيّ بخدماتها الموجّهة إلى طلاّب الألفيّة الثالثة. فالمدرسة العصريّة، وهي تستقبل أجيال الثورة الرقميّة، مطالبة بتغيير أساليبها ومراجعة أهدافها وتدريب مدرّسيها وتنمية مهاراتهم باستمرار، لتواكب عصرها وتقنع جمهورها. لكنّ البرامج التي تُضبط لتحديث المدارس شكلا ومضمونا، تتجاوز ما ذكرناه إلى قوائم طويلة من الخطط والإجراءات الإصلاحية المتتالية التي تتكامل أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى، وينسخ بعضُها بعضاً، ويفشل منها ما يفشل، وتُبذل في سبيل تنفيذها نفقاتٌ كبيرة قد لا تتوفّر بالقدر المطلوب فتؤثّر على فاعليّتها وتعطّل جدواها.
نهار السّبت 10 نوفمبر 2018، حضرت لإختتام أيّام قرطاج السّينمائية لسبب واحد هو أنّني نكون حاضر مع أمّي منى الماجري في أوّل دورة ليها للمهرجان كممثّلة في فيلم مشارك في المسابقة الرّسمية، فيلم ولدي لمحمّد بن عطيّة. وقتلّي خرجنا من وتيل الأفريكا بش نطلعوا في الكرهبة إلّي بش تهزّنا لمدينة الثّقافة، فمّا برشا ناس واقفين مقابلين أغلبهم مالشّباب الأولاد، فيهم شكون قام يعيّط: “يا حاجّة، برّا صلّي” و الجملة هاذي تختزل برشا حاجات مع بعضها.
ما وقع لأيمن العثماني يمكن أن يقع لك ولي، كما حدث لأحلام وخمسي وأماني وعمر وغيرهم. أمام الواقع اليومي المُذل وأمام البلطجة البوليسية، لم يعد للنقد الأكاديمي أو الخبر الصحفي أي قدرة على الدفع بالفعل الثوري أو حتى المقاومة اليومية. بعد “تعلم اجري” و”تعلم عوم”، في إنتظار “تعلم تتنفس”، لم يبقى لنا إلا “تعلم تثور”. ليس مُهما أن تكون الثورة الأخيرة فاشلة أو مخيبة للآمال أو سُرقت منا، المهم الآن أن تكون أنت نفسك ثوريا، على المستوى الذاتي وحسب إمكانياتك. ذلك الحل الأخير المتبقي قبل المهانة المقبلة، صفعة أو شتيمة من بوليس، أو رصاصة مُميتة.
تحتّل الفكرة، كمفهوم، مكانة هامّة في الفلسفة الدولوزيّة. فهي ما ينبني عليه الفعل الإبداعي ومقوم أساسي منه تنطلق كلّ محاولة أدبيّة أو فنيّة. إنّها بمثابة نوع من أنواع الاحتفال أو حدث نادر الوقوع. في السينما، إذا ما أردنا أن نتحدّث عن وجود فكرة ما كمحرّك لتجسيد سيناريو فإنّنا سنتطرّق حتما إلى وجهة النظر، إلى طريقة ورؤية المخرج/ة للأمور التي سيفرضها بطريقة أو بأخرى على المشاهد من خلال تسليط الضوء على قضيّة معيّنة في فضاء محدّد. وهذا ما فعلته السينمائيّة اللبنانيّة نادين لبكي في فيلمها الأخير “كفرناحوم” المتحصّل على جائزة لجنة التّحكيم في مهرجان كان. فهي، وإن عرّفت بالفكرة منذ المشاهد الأولى (الفضاءات التي ستكون ديكورا للأحداث) إلاّ أنّها سعت إلى عرض الهامش لا عبر صورة موسّعة شاملة بل من خلال شخصيات منفردة لكلّ منها مصيرها ومسارها الخاص.
بعد كل حدث، مثلما حصل بعد فيضانات نابل أو أزمة نقص الأدوية قبلها، تسود حالة هستيرية جماعية، تتجلى عبر أدوات لغوية وكلامية فاسدة تُروّج أغلبها لنبذ الذات التونسية حيث يردد الحانقون أن تونس نفسها مزبلة كبرى لا يُستحق العيش فيها وأن الجميع في تونس “طحانة وكذابة”. أصبح الجسد التونسي داميا فكثرت بؤر التقيح في سياقات اللغة والفكر، فتحولت ردود الفعل إلى تقيؤ جماعي ملأ الساحات والفضاءات المادية والإفتراضية، كما أفرزت حالة الإحتقان المزمنة صديدا لغويا وفكريا داخل المجتمع التونسي لم يقع علاجه بعد. هذه الحالة العامة من نبذ الذات التونسية وتحقيرها، تصفها آن سيسيل روبير بأنها نتيجة سلبية لاستراتجية العاطفة.
كان يوم الأربعاء 26 سبتمبر 2018 يوماً مشهوداً في المحكمة الإبتدائية بقفصة، فقد تأججت المشاعر مع دخول نشطاء وقادة انتفاضة الحوض المنجمي -التي اندلعت سنة 2008- إلى قاعة المحكمة نفسها التي تعرضوا فيها للضرب، وحُكِم عليهم فيها بالسجن بصورة جائرة منذ أقل من 10 سنوات مضت. ولكنهم دخلوا هذه المرة عبر الباب الرئيسي كضحايا ينتظرون محاكمة الجناة، لا كمتهمين بالتآمر ضد الدولة. كانت جريمتهم الوحيدة سنة 2008 أنهم تجرّؤوا على الاحتجاج السلمي ضد السياسة التشغيلية غير المنصفة وغياب الشفافية، وضد المحسوبية التي كانت تمارسها شركة فسفاط قفصة المملوكة للدولة، والتي تعتبر المشغل الرئيسي –إن لم يكن الوحيد– في المنطقة.
انعقد مؤخرا، بأحد نزل مدينة الحمامات، المؤتمر العاشر للاتحاد الإفريقي لجمعيات علم المناعة الذي أشرفت على تنظيمه الجمعية التونسية لعلوم المناعة. وقد شارك في هذا المؤتمر العالمي عديد الباحثين من كافة أنحاء العالم، من دول أوروبية وإفريقية. وقد شهد زخما علميا هاما وكمّا هائلا من الأبحاث التونسية النوعية، نذكر منها خاصة تلك التي تُعنى بأحدث الطرق لتشخيص إخلالات جهاز المناعة لدى الإنسان، وكيفية مجابهة التشوهات الوراثية عبر استحداث وسائل جديدة لدعم مناعة الجسم في مقاومة الأمراض الجرثومية والسرطان. إلا أن هذا الملتقى -على نجاحه- لم يختلف عن غيره من المؤتمرات العلمية الهامة التي شاركتُ فيها منذ عودتي إلى أرض الوطن. فجميعها ترك لديّ الشعور بالاستياء والمرارة، والسبب في ذلك غياب إجابة تشفي الغليل عن تساؤلات مؤرقة ومزمنة: ماذا بعد المؤتمرات؟ ماذا عملنا فيما علمنا؟ ما مدى مردودية أبحاثنا ودورها في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني؟
تعتبر حمام الاغزاز من أهم المناطق التي تُعرف بجمال شواطئها، وهذا الذي مكنها من أن تكون أهم وجهات السياحة الداخلية. حيث يتضاعف عدد سكانها في الموسم الصيفي عشرات المرات، فهي معتمدية تضم حوالي 11000 ساكن و تصل في الصيف إلى حدود 100 ألف (باحتساب عدد الوافدين للاصطياف). شهدت حمام الاغزاز هذا الإقبال خاصة بعد سنة 2010 أين بدأ أغلب التونسيين باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي، مما مكن الكثيرين من التعرف على جمال شواطئها، كما أن أسعار إيجار المنازل تعتبر في متناول الطبقات المتوسطة، حيث يتعمد كثير من أهالي حمام الاغزاز كراء منازلهم صيفا لضمان مدخول إضافي يُعينهم على مجابهة غلاء المعيشة.
جريمتا قبلاط وأم العرائس ليستا استثناءً. هناك اليوم في تونس من تفضل القبوع في البيت، أو تُجبر على تغطية جسدها، عنقها، ساقيها إلى الكعب لأن السعار الجنسي منتشر بكل مكان: نظرات ملحة شبقة، إيحاءات جنسية قبيحة مباشرة وغير مباشرة، تَلَمّس خبيث. أصبح التحرش الجنسي والعنف اللفظي واقعا يوميا تعيشه أغلب نساء تونس. في أحواز العاصمة أو في مدن الداخل، تفرض العديد من النساء نوعا من الرقابة الذاتية الصارمة في اختيار اللباس، في طريقة المشي، وفي ساعات ومكان الخروج. المُعتدون هنا كثيرون، و لكن أريد أن أركز على أكثرهم خطورة ونزوقا: هو ذلك الأعزب اللاإرادي. تحاورت في هذا المقال مع ثلاث نساء تونسيات اختلفت انتماءاتهم الطبقية، الثقافية والمكانية، لكن اتفقن على أن الفضاء العمومي أصبح بعد الثورة أكثر تهديدا وخطورة على المرأة التونسية.
لدي مشكلة مع لجنة الحريات الفردية والمساواة، وليس مع معظم محتوى تقريرها. فالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء تجريم المثلية الجنسية هي حقوق أساسية يجب إلزامها وحمايتها. لو وضعنا جانبا الاستقطاب الثنائي والزج بالجميع في خندق مناصر أو آخر معارض، فإن ما يبرز لنا هو ضعف المزاعم التي يستعملها الطرفين كأدوات خطاب في ما يمكن اعتباره لحظة مفصلية في الجمهورية الثانية. أتطرق في هذا المقال الأول إلى تصور أفراد اللجنة لدورهم التاريخي و الحضاري، أدوات الخطاب التي استعمِلت للترويج للتقرير، وتوقيت وصيغة هذا التقرير كمدخل لنقد الإطار الفكري والإيديولوجي للجنة وأفرادها والتنصيص على ضرورة تفكيك فكرة التطابق بين نبل ونموذجية أغلب مقترحات التقرير وسلبية خطاب اللجنة وهشاشة أفقها الفكري.
على الرغم من الشكل الذي ظهر عليه، فإن الجدل الدائر حاليا داخل المجتمع التونسي حول تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة ليس مُجرّد خلاف بين تشكيلات سياسيّة حول قضايا سياسيّة ذات رهان أيديولوجي، بل هو انعكاس شكلين أو أكثر لتَمثّل الحياة الاجتماعيّة، وهو في ذات الآن تعبير عن مختلف البُنى الذهنية التي تجد لنفسها حيّزا اجتماعيّا ومنطقا داخليا متماسكا، على الأقل كما يراها أصحاب هذه الأفكار. هذا الصراع الذي أُثير على كافة المستويات، ومنها العقديّة والقانونيّة والدستورية والاجتماعية، أوجد لنفسه منطقا حديّا لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ما جاء في التقرير. بالتالي ساد مُناخ من الاصطفاف القَبْليّ هو في ظاهره دفاع عن مجموعة من الأفكار وفي خباياه عمليّة استقطاب عمياء ترمي –وإن عن غير وعي- إلى العودة بالمشهد السياسي إلى ما قبل انتخابات أكتوبر 2014.
لقي انتخاب ممثلة حركة النهضة لرئاسة المجلس البلدي لتونس العاصمة باهتمام الصحافة الوطنية والأجنبية وغذى هذا الحدث الصراع عبر وسائل الاتصال الاجتماعي بين مناصري الإسلام السياسي في تونس وخصومه، وتقدم حركة النهضة هذا الحدث كدليل على حداثة تمشيها السياسي وتبنيها مبادئ حرية المرأة التونسية ومساواتها للرجل وتطلق حملة عنيفة ضد الأحزاب الديمقراطية واليسارية التي رفضت التصويت لمرشحتها مشككة في دعواتهم للمساواة بين الرجل والمرأة وهكذا تنظم حركة النهضة لمن سبقوها في حكم تونس في الاستعمال الأيديولوجي لقضايا المرأة وتحريرها من اجل تحقيق اهداف لا تمت بصلة لهذه القضايا من اجل التمكن من الاستفراد بالحكم وفرض سلطتها الاستبدادية وبناء دولة “القهر” كما صرح بذلك علنا وبكل صلافة عبد الفتاح مورو من اجل تطبيق ” الشريعة الاسلامية” بالقوة في بلادنا.