بدايات سنة 2022، اقترنت بمضي قيس سعيّد في تنفيذ استشارة وطنيّة الكترونية، لفرض ما اعتبره اصلاحات سياسية. بدءًا بالاستفتاء على تغيير الدستور وصولاً إلى تنظيم انتخابات تشريعيّة، لم يُراعِ الرّئيس وهو ينفّذ هذه الخارطة مطالب معارضيه الّذين دعوا إلى حوار وطني يجمع مختلف الفرقاء، ولم يأخذ في الحسبان تردّي الأوضاع الاجتماعيّة والماليّة والاقتصاديّة. وفي الأثناء، تواصل قمع الاحتجاجات وتواترت حالات الموت المستراب، وافلات جهاز البوليس من العقاب.
ملامح انفراد سعيد بالسلطة
استعان قيس سعيّد ببعض الخبراء في القانون الدستوري لفرض مشروعه السياسي، مُشيحًا بوجهه عن المنظّمات الوطنية وعن الأحزاب التي نادت بضرورة إطلاق حوار وطني حقيقي، ومُتنكّرًا لما جاء في خارطة الطّريق التي أعلن عنها في موفّى السنة الماضية، حيث لم تتكوّن اللجنة الّتي كان من المفترض أن تنظر في مخرجات الاستشارة الوطنيّة، ولم يأخذ الرئيس بعين الاعتبار مسودّة الدّستور الّتي أعدّها خبراء القانون، ومضى في تنفيذ برنامجه.
معركة قيس سعيد ضد القضاء
معركة القضاء كانت من أهمّ ورقات الضّغط التي لعبها قيس سعيّد، حيث كان يُلمّح إلى أروقة المحاكم ورفوفها الّتي تضيع فيها الحقوق وتُباع فيها الذّمم. وبادر بحلّ المجلس الأعلى للقضاء وتكوين مجلس جديد بدلا عنه، ثمّ أعفى عددًا من القضاة بشكل هدّد استقلاليّة القضاء وأربك مرفق العدالة، رغم الهنات التي تشوبه.
ملف الاغتيالات السياسية
احتدم الخلاف بين القضاة والمحامين بشأن حقيقة الاغتيالات، وأصبح الحديث عن ضلوع النهضة وأذرعها السياسية في الداخل والخارج في الاغتيالات وتسلّلها للقضاء أمرًا معلومًا لدى الجميع بهدف التستّر عن مرتكبي هذه الجرائم. ورغم أنّ ملفّ الاغتيال كان أبرز العوامل المثيرة للشكوك حول استقلالية القضاء، إلاّ أنّ الحقيقة الكاملة لم تصدر بعد، إلاّ من خلال الحقائق التي كشفتها هيئة الدّفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي في ندواتها الصحفيّة.
استفتاء على مقاس الرئيس
مهّد قيس سعيّد لمشروعه السّياسي بتغيير تركيبة هيئة الانتخابات وتنقيح القانون الانتخابي، وهو ما رفضه عدد من الناشطين والجمعيات والمنظّمات غير الحكوميّة، على اعتبار أنّ تغيير قواعد اللعبة الانتخابية قُبيل الموعد الانتخابي ليس مطابقًا للمعايير الدّولية. كما فرضت هيئة الانتخابات قواعد لحملة الاستفتاء حرمت المقاطعين من التعبير عن آرائهم في وسائل الإعلام، ولكنّها تراجعت عن ذلك القرار إثر الانتقادات التي وُجّهت إليها، ثمّ ارتكبت خطأً عند الإعلان عن نتائج الاستفتاء، وهو ما أربك الرّأي العامّ حول مدى قدرة الهيئة على ضمان شفافيّة الانتخابات ونزاهتها.
الوفاة المسترابة وجرائم الشرطة
لم تختلف سنة 2022 عن سابقاتها، حيث شهدت موجات من العنف البوليسي إزاء مواطنين أدّت في عديد من الحالات إلى الوفاة. كما بقي ملفّ عمر العبيدي عالقًا في رفوف المحاكم إلى حين صدور الحكم على الجناة بالقتل على وجه الخطأ، وهو ما مثّل نقطة فارقة في تصعيد نضالات جماهير الألتراس وحملة “تعلّم عوم” في اتّجاه مزيد التعريف بقضيّة الضحيّة عمر.
مالك السليمي، ضحية أخرى لمطاردة بوليسية
17/09/2022
نواة في دقيقة : رسائل الألتراس المشفرة
24/06/2022
انتهاكات حقوق الإنسان
التعثّر السياسي في مسار قيس سعيّد وما تبعه من خيبة أمل حول إصلاح القضاء وكشف الحقائق ومكافحة الفساد أدّى إلى احتقان اجتماعي دفع بالناس إلى النزول للشارع والتعبير عن غضبهم إزاء ما آلت إليه الأوضاع سياسيّا واقتصاديّا واجتماعيّا. ونال المتظاهرون نصيبهم من العنف والهرسلة من أعوان البوليس.
عداء الرئيس ومنظومته لحرية التعبير
لم يكن الإعلام في معزل عن الانتهاكات والعنف والهرسلة، من خلال إرساء أطر تشريعية تهدّد حريّة التعبير، وتكييف أحكام قانون الإرهاب في محاكمة الصحفيين أثناء أدائهم لعملهم، وعدم التنصيص على هيئة الاتصال السمعي البصري في الدستور الجديد خلافًا لما كان عليه الوضع في دستور 2014.
الحراك الاجتماعي الاحتجاجي
ومع اهتمام الرئيس بإصدار المراسيم لتصفية خصومه وقطع الطريق أمام معارضيه، واصلت الأحياء الشعبية رفع مطالبها الاجتماعية في الشغل والعيش الكريم. ويبدو أنّ صوت الاحتجاج لم يطل مسامع الرئيس.
الحرقة وفاجعة جرجيس
اختار عدد من “الحرّاقة” خطّ صربيا للعبور نحو الضفة الأخرى، عوضًا عن سلك سبيل لمبيدوزا عبر سواحل تونس. في الأثناء، مدن أقفرت من متساكنيها وأخرى فقدت شبابها الّذين لفظهم البحر مثلما حصل في جرجيس، ودُفنوا في مقبرة “الغرباء”، ممّا أجّج غضب الأهالي ولوعتهم على ذويهم.
جرجيس، بين حُرقة الموت وحڤرة الدولة
17/10/2022
الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاسها على تونس
لم تكن تونس بمعزل عن ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية التي جدّت في مارس 2022، حيث تستورد القمح من هاتين الدّولتين المتناحرتَين. هذه الحرب أثّرت على تزوّد تونس بهذه المادّة الأساسية الّتي تُعتمد في الخبز ومختلف أنواع المعجّنات، حتى أصبح التونسي مهدّدا في قوت يومه. ومن ناحية أخرى، وجدت الدولة نفسها عاجزة عن ترحيل التونسيين العالقين في أوكرانيا إثر الغزو الروسي المفاجئ.
أزمات غذائية ونقص المواد الأساسية
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على تونس من خلال نقص التزوّد بالقمح والموادّ الأساسية. وكان مفعولها ككرة الثلج التي تتحرج وتكبر وتحمل في طيّاتها مشاكل أخرى، مثل فقدان الموادّ المدعّمة كمادّة السكر والحليب والزيت النباتي، إلى جانب فقدان عدد من الأدوية.
منعرج العلاقة بين الاتحاد وسعيّد
إزاء تفاقم المشاكل، اختار الاتحاد العامّ التونسي للشغل الاصطفاف ضدّ رئيس الدولة في خياراته السياسية والاجتماعيّة، وأعلن القطيعة مع المسار الانتخابي والسياسي لقيس سعيّد، مُجدّدا القطيعة مع منظومة ما قبل 25 جويلية.
تشريعيات 2022
تمثّل الانتخابات التشريعية تتويجًا لمسار 25 جويلية الّذي زعم من خلاله تغيير الطبقة السياسية وتنقية المناخ السياسي. ولكنّ نسبة الإقبال على التصويت تكشف عدم اهتمام التونسي بالانتخابات كشكل من أشكال الفعل السياسي. في المقابل، يتباهى الرئيس في بنسبة الاقتراع التي لم تتجاوز 12% من جملة المسجّلين، معتبرًا أنّ نسب المشاركة المرتفعة دليل على تزوير “إرادة الناخبين”. الرئيس لا يرى سوى صورته ولا يسمع إلا صدى صوته.
iThere are no comments
Add yours