إن المتمعن في السياسات الاقتصاديّة التونسيّة منذ الاستقلال يدرك أنها مرت بالمراحل الرئيسيّة التالية ،وكانت كل مرحلة مرتبطة بتأزم الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة على نحو يؤدي غالبا الى تحوّلات جذريّة في الخيارات التنمويّة للبلاد، وباستثناء المرحلتين الاولى و الثانية يلاحظ ان تونس فقدت استقلالية قرارها في تحديد توجهاتها الاقتصادية الكبرى تزامنا مع تفاقم ازمتها المالية مطلع الثمانينات و انخراطها القصري في سياسة التداين و في اتفاقيات التبادل الحر و منظومة اقتصاد السوق و البرامج الصلاحية والقروض المشروطة للمؤسسات المالية الدولية.
من هذيان النقاش في لجنة التشريع العام، المحامي الذي أصله قاض و تطعيم التركيبة القضائية للمحكمة الإدارية
خطر ببالى وأنا مستغرق في قراءة تقرير لجنة التشريع العام حول مشروع القانون الأساسي المتعلق يالمجلس الأعلى للقضاء نوع من المسرح الشعبي الايطالي يسمى “كوميديا ديلارتي” يتولى فيه الممثل -الذي يظهر ملثما- ارتجال ملهاة متميزة إما بالسذاجة أو المكر أو البراعة . ولا أدري لماذا اعتقدت أن أحد هذه الأوصاف يمكن أن ينطبق على النقاشات التي دارت حول فصول المشروع المعروض على اللجنة أو بعض المسائل الواجب الحاقها به. وقد اكتشفت من خلال وقوفي على توجهات بعض الاعضاء “الملثمين” أن من أهدافهم الرئيسية تتبّع كل ماهو قضائي لأنه حسب رؤيتهم يكون في الغالب محل ارتياب ويجب لذلك التفكير في اقصائه -فهل تصدقون- وحتى لا أُتهم بالتهويل أعرض عليكم مثالين لهذا الإرتجال الناشئ إما عن سذاجة أو مكر أو براعة.
هل من حقنا أن نحلم ؟
من حقنا أن نحلم ببيئة نظيفة وبسبخة السيجومي تتحول إلى مرفأ سياحي كما وعد بذلك مؤخرا أحد الوزراء، بشرط أن نكون بذلنا الجهد الكافي لحل أزمة النفايات في أغلب مدننا، وإذا كانت الرؤية واضحة عن النمط البيئي الذي ننشده، فهل هو من قبيل : المواطن و المعامل تلوث كما شاءت والدولة تنظف كما هو الحال الآن ، أم هو يقوم على تبادل المسؤوليات والأدوار بين الدولة والمؤسسات والمجتمع المدني والمواطن كما هو الشأن في الدول المتقدمة في هذا المجال
من يحكم الآن تونس؟
شهران ونصف لم يلمح فيهم المواطن تحسن ملموس في المعيشة ولا في جملة الملفات الحساسة المتعلقة بمناهضة الارهاب والتنمية والتشغيل والاستثمار الاجنبي، بل سجل في المقابل ارتفاع نسق الاضطرابات الاجتماعية، وعدة اخطاء امنية على راسها هجوم باردو، وهبوط حاد في عدد السياح، ونوايا الاستثمار، رافقها تخبط في القرار في مجال خطير، الدبلوماسية.
راهن الصراع الطبقي في تونس من المأسسة إلى التمرد
لقد تبين الثوار بتجربتهم الخاصة مدى أنانية وجشع الطبقات المترفة و الوسطى ومؤسساتها السياسية والنقابية والثقافية وعجز تلك الطبقات على إقامة الحد الأدنى من الإقتصاد التضامني لنصرة من دمرتهم آليات النهب والتفقير و التجويع ويطلب منهم فوق ذلك أن يكونوا دروعا بشرية لحماية أصحاب الثروات الفاحشة من “الإرهاب”. إن هؤلاء الثوار يدركون اليوم أيضا خداع الديماغوجيا “الوطنية” التي تتشدق بها أطياف الطبقة السياسية. فما معنى الإنتماء إلى وطن تقوم فيه ثورة إجتماعية من أجل رفع المظالم والتأجيل باستحقاقات لم تعد تحتمل الإنتظار
تراث يندثر .. ومؤسّسات لا تعمل
مشاكل هيكلية وخراب شامل يلفّ مؤسّساتنا العاملة في التراث، وأولها المعهد الوطني للتراث الذي يعرف جميع العاملين فيه – طبعا باستثناء المسؤولين عمّا يحصل فيه بالمشاركة أو بالصمت – مقدار الضعف الهيكلي الذي عليه حتى بات غير قادر على إنجاز الحدّ الأدنى المطلوب من اختصاصاته. بل يمكن القول أنه صار عبء على التّراث وعلى العاملين فيه على حدّ السواء. ورغم الدّعوات المتكرّرة لإعادة هيكلته، والتي وصلت إلى حدّ دخول المنتسبين إليه في تحركات احتجاجية بعد أن استوفوا ما في جعبتهم من صبر، حتى أنّ بعض النّقابات الناشطة فيه قدّمت مشاريع إعادة هيكلة له منذ عدّة سنوات، ولكن وزارة الإشراف ما تزال تغمض عينيها عن الخراب الذي مسّ هذه المؤسّسة العريقة التي تعود لها المسؤولية الأولى في حماية التّراث ببلادنا.
قراءة نقدية للتغطية الاعلامية لزيارة السبسي لفرنسا
على شاكلة الزيارات النوفمبرية لبن علي تم تحديد قائمة اسمية لاعلاميين ينتمون لوسائل اعلام معظمها موالية للحزب الحاكم، لها الفضل الكبير في نجاحه في الانتخابات التشريعية والرئاسية، اختيرت على اساس انتشارها، ولكن اساسا لوفاءها، باعتبار ان بعض الوسائل الاعلامية خرجت رسميا من “جبهة الدعم” على غرار “قناة العايلة” التي “انتفض” مديرها بعد “طرده” من موقع القرار في “النداء”، وقناة “التونسية” بعد انقطاع العلاقة مع “مالك الذبذبات”.
عاصفة الحزم ورطة سعودية
ان العملية العسكرية التي تخوضها السعودية في اليمن ليست سوى ردة فعل على تمدد الحوثيين حلفاء ايران في اليمن و مرحلة جديدة من الصراع السعودي الايراني التي قد تصل الى حد المواجهة العسكرية خاصة بعد قدوم الملك سلمان الذي يعرف بتشدده تجاه ايران والذي سيزيد في دعم الحركات المتشددة المعادية لها مما ينذر بمستقبل وخيم العواقب في العلاقة بين القطرين.
خلاصات أولية حول كمين “سيدي عيش” ومقتل قياديي القاعدة في تونس
تفاصيل عملية “سيدي عيش” ليست واضحة بعد لكن يبدو ان الطريق الى كشف ومحاصرة وتصفية المجموعة كان عملية استخبارية لعبت فيها عملية التنصت وربما الكشف عن “البصمة الصوتية” لقائد المجموعة خالد الشايب (لقمان ابو صخر) وايضا مساعدة دول صديقة دورا اساسيا. ان الاستعلامات التكنولوجية كانت وستكون احد مفاتيح حسم الصراع ومحاصرة المجموعات الارهابية. عوض الحديث عن “العودة” لنظام الاستعلامات القديم فان دولة حديثة وديمقراطية يجب ان تعزز مناهج الاستعلامات التي تركز على التجديد التكنولوجي وهو ما يتطلب تطوير التعاون مع دول صديقة وايضا توجيه الشراءات العسكرية اكثر في هذا الاتجاه.
برهان بسيس وليلة الإفلات من المساءلة
قد يبدو ظهور برهان بسيس من جديد في برنامج “لمن يجرؤ فقط” بقناة “الحوار التونسي” ليلة 30 مارس 2015 صادما لعدد كبير من المتابعين ممن استعادوا الحضور السيء لأحد الأبواق البارزة لنظام بن علي. لكن فرصة الظهور بذلك الشكل -وإن كانت تمثل نجاحا شخصيا لبرهان بسيس ودعما كبيرا لفائدته-لا تعدو أن تكون نتيجة طبيعية للتحصين السياسي للنظام السابق وللتغييرات العميقة التي طرأت على طبيعة التعامل الإعلامي و الثقافي مع عدد من الرموز المرتبطة بذلك النظام.
توضيح حول عنوان مقالي “انتهت تونس، انتهت السياحة”
بقلم إلودي أوفري (Elodie Auffray) أثارت أحد عناوين مقالاتي التي نشرت على الموقع الإلكتروني لجريدة “ليباراسيون” بعد الهجوم الذي وقع على متحف باردو ردود فعل قوية تسبّبت لي في هجمات شخصية. وإن أتفهم أن يثير مثل هذا العنوان “انتهت تونس، انتهت السياحة” ردّة الفعل هذه، خاصّة خلال هذه اللحظة المؤلمة، يبدو لي من الضروري توضيح بعض النقاط.
الطريق إلى الديمقراطية التشاركية
إن الديمقراطية على الشاكلة الحزبية النيابية الكلاسيكية الغربية نراها تمثل عبئا كبيرا على الثورة ومدخلا خطيرا للثورة المضادة والتدخل الخارجي في الشأن الوطني والاستغلال الفاحش لثروات البلاد إذا لم تستغل كمرحلة عابرة نحو الديمقراطية التشاركية التي هي من جنس الثورات الاجتماعية لكونها تجسد مشاركة قوى الثورة الشبابية والاجتماعية في الحكم وفي التوزيع العادل للثروة والتنمية.
هل ستتدخل فرنسا في التحقيق في عملية باردو؟
امام غياب واضح للنيابة العمومية واغراق الحكومة والناطق الرسمي للداخلية الساحة بسيل من المعلومات المشوّهة المتناقضة كان منتظرا دخول بعض الدول مثل امريكا وفرنسا على الخط لاقتراح مشاركتها في التحقيق في عملية باردو خاصة وان الأخيرة سقط لها الكثيرون من رعاياها بين قتلى وجرحى بمتحف باردو (3 قتلى وجريح حسب بلاغ وزارة الصحة بتاريخ 21 مارس 2015).
داعش: الفكرة، الفاعل والمستفيد
في الواقع، “داعش” هي قبل كلّ شيء فكرة متأصلة ومتجذرة في تاريخنا الإسلامي منذ قتل الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ووثقافة قطع الرؤوس وصلبها وسبي نساء “الكفار” ليست غريبة عنّا: كلّ هذه الأفعال المشينة للأسف وجد لها بعض من “علماؤنا” عبر التاريخ تأصيلا شرعيّا من القرآن والسنة لتبريرها وهي أفكار مازالت تستعملها التنظيمات الإرهابية إلى يومنا هذا.
قصة قصيرة حقيقية – “كانت تطهو لنا اللحم الحلال”
لم يصدق “غابرييل “ان زوجته “هيلدا” التي اختفت في احداث المتحف بباردو في منتصف ذلك اليوم قد غادرت هكذا بسرعة ولم يصدق انه استطاع ان ينجو بنفسه من الارهابيين رغم الرصاصات التي استقرت في رجله ومرت على حافة احد الشرايين. وهو الان لا يعرف ان كان من حظه انه نجا اوكان من سعادته الموت الى جوار زوجته.
دعوات “الهدنة الاجتماعية” بعد عملية باردو.. لماذا استثناء الأعراف والحكومة؟
في خضم الصدمة التي هزت تونس عقب عملية باردو الدموية، تتعالى اصوات متعددة “معزّزة” من هنا وهناك، ولكن اغلبها من اعلاميي الحزب الحاكم تدعو اتحاد الشغل هكذا دون مقدمات او توضيبات الى هدنة اجتماعية، تُعلَّق خلالها الاضرابات ومختلف الاحتجاجات المشروعة للشغالين لمدة محددة، تحت مسوّغ تأمين السلم الاجتماعي الضروري للاستثمار المحرك للتنمية والتشغيل.
هذه الخدعة الكبرى التي يسمونها إرهابا
لقد هرمنا لا بل قد بشمنا “وما تفنى عناقيد” السفسطة و الحماقة و ضيق الأفق و الخداع أحيانا لؤلائكم المهرولين إلى “أطباق” القنوات التلفزية مع كل فاجعة “إرهابية” ليقدموا لنا قراآت يدعون أنهم يتأتون فيها بالإضافة تلوالإضافة بصفتهم مختصين في الحقوق وفي الإسلامولوجيا والتاريخ العسكري وهلمجرا…على أن أفضل ما في تلك القراآت هو أحيانا الجانب الوصفي لبعض تجليات الظاهرة “الإرهابية”
الارهاب في عقر دارنا
لم يكن سهلا علينا ان نصدق نحن سكان باردو الهادئة وخصوصا القاطنين بقرب ساحتها الشهيرة وعلى امتداد شارع المنجي سليم الكبير ان الارهاب زحف سريعا وضرب بقوة في عقر دارنا.هل كانت قسوة الارهابيين ضرورية حتى نتخلى عن اعتقادنا بان الارهاب بعيد عنا- هناك في الجبال – فاذا به اقرب لنا من حبل الوريد.؟