بقلم محمد سميح الباجي عكّاز،
الحوار الوطني كان محاولة من مختلف الفاعلين السياسيّين والاقتصاديّين في البلاد لإيجاد مخرج من الأزمة السياسيّة التي عرفتها البلاد عقب اغتيال الشهيد محمد البراهمي وتنظيم اعتصام الرحيل الذّي رفع سقف مطالبه في البداية إلى حدّ المطالبة بحلّ المجلس الوطني التأسيسي وإسقاط الحكومة.
وقد تمكّنت الأطراف المشاركة في الحوار بعد أشهر عديدة من الاتفاق على إسقاط حكومة الترويكا برئاسة عليّ العريّض حينها ووضع خارطة طريق هدفها التعجيل في إنهاء كتابة الدستور الجديد وتحديد موعد نهائيّ للانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة كآخر خطوة في المسار الانتقاليّ الذّي دام ما يزيد عن الثلاث سنوات ولتتولّى على إثرها المؤسّسات الدستوريّة المنتخبة شرعيّا مسؤوليّة تسيير البلاد ووضع ملامح المرحلة القادمة على المستوى السياسيّ والاقتصاديّ.
ولكنّ إعلان استئناف الحوار الوطني إثر الانتخابات التشريعيّة نهاية شهر أكتوبر المنقضي، كان مفاجأة للكثيرين ممن اعتبروا أنّ هذا الهيكل السياسيّ قد انتهى دوره وأنّ الوقت قد حان لتمارس القنوات الرسميّة المتمثّلة في السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة سلطتيهما المستمدّة من اختيارات الناخبين.
تموقع اللاعبين الكبار وتشكّل المسار الموازي
عند وصول الأزمة السياسيّة في تونس إلى طريق مسدود مع تزايد توافد الآلاف من المواطنين على ساحة باردو ومشاركة أغلب الأحزاب السياسيّة المعارضة لحكومة الترويكا في فعاليّات الإعتصام، إضافة إلى خروج بعض المناطق عن السيطرة كمدينة قفصة وسيدي بوزيد، بدأت حركة النهضة تفكّر في ضرورة إيجاد مخرج سياسيّ “آمن” لحكومتها خصوصا وأنّ السيناريو المصريّ كان ما يزال يخيّم على مخيّلة السياسيّين التونسيّين وإن تغيّرت التفاصيل.
وفي النهاية تمّ اعتماد مبادرة الحوار الوطني الذّي انطلق في الخامس من أكتوبر 2013، برعاية ما اصطلح على تسميته ب”الرباعي الراعي للحوار” المكوّن من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة، والرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان، وأخيرا الهيئة الوطنيّة للمحامين بتونس، بالإضافة إلى اغلب مكوّنات المشهد السياسيّ من السلطة والمعارضة.
وقد كان الهدف الأساسي من الحوار الوطنيّ التسريع في المصادقة على الدستور، واستقالة حكومة عليّ العريّض واختيار حكومة تكنوقراط تتولّى تسيير البلاد في ما تبقّى من الفترة الانتقاليّة وأخيرا تحديد موعد نهائيّ للانتخابات والمصادقة على أعضاء الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. وهو ما تمكّنت الأطراف من تحقيقه رغم ما شاب جلسات الحوار من تعثّر وخلافات وتهديد بالانسحاب من قبل حركة النهضة أو نداء تونس في محطّات عديدة، بالإضافة إلى موقف حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة الذي رفض الإنخراط فيما اعتبره مسارا موازيا للمسار الشرعيّ وانقلابا على المؤسّسات الشرعيّة للدولة رغم حضور الرئيس محمد المنصف المرزوقي جلسة الافتتاح.
ولكنّ مسار الحوار الوطنيّ لم يخلو من حسابات ذاتيّة ربّما كانت هي الدافع الرئيسيّ لمشاركة عديد الأطراف. فحركة النهضة التي وجدت نفسها في مأزق لم تنفع معه مناوراتها السياسيّة المعهودة ودون حلفاء أقوياء قادرين على دعمها، أذعنت لهذا الخيار للخروج من تجربة الحكم بأخفّ الأضرار. و اختارت النهضة استرداد أنفاسها للعودة مرّة أخرى للساحة السياسيّة قبل أن تحرق جميع أوراقها إن هي تعنّتت وتمسّكت بالسلطة متجاهلة الرفض الشعبيّ لحكومتها وصدمة المجتمع من تكرار الاغتيالات السياسية وارتفاع نسق العمليّات الإرهابية التي تتحمّل نصيبا كبيرا في تفشّيها، نتيجة تراخيها في معالجة التطرّف الدينيّ وانتهاكات طالت معارضيها من قبل رابطات حماية الثورة والحركات السلفيّة طوال فترة حكمها.
المعسكر الثاني، ضمّ لاعبين كبارا كانت لهم الكلمة الفصل في تحديد نتائج الحوار الوطنيّ وبقيّة المسار الانتقاليّ الذّي بلغ اليوم أمتاره الأخيرة، بدءا بتنصيب حكومة مهدي جمعة الذّي زكّته مباشرة منظّمة الأعراف على لسان رئيستها وداد بوشمّاوي خلال الساعات الأخيرة من إنتهاء مهلة التوافق على اسم رئيس حكومة التوافق الجديدة، والذّي أثبتت الأحداث التاليّة أنّ رهان المنظّمة عليه كان صائبا خصوصا على مستوى معالجة الملفّات الإقتصاديّة العالقة والمنحى الذّي أخذه الحوار الوطنيّ الإقتصاديّ الذّي انحرف بأهداف الحوار الوطني الأساسية والمتعلّقة بإيجاد حلول للمشاكل العاجلة إلى مناقشة الإجراءات الهيكليّة والإستراتيجية للاقتصاد الوطنيّ. إذ صرّح السيّد سامي العوّادي لنواة أنّ حكومة التكنوقراط الانتقاليّة لا يحقّ لها الخوض في المشاكل الإستراتجية والإصلاحات الهيكليّة نظرا لطابعها المؤقّت ومدّة حكمها القصيرة، فمثل تلك المهّام ستكون مسؤوليّة حكومة شرعيّة منتخبة تنهي الوضع الانتقاليّ الذي تعرفه البلاد منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، في حين كان الفريق الحكوميّ يدفع باتجاه حسم هذه الملفّات مدعوما بمنظّمة الأعراف بعد توحيد رؤاهما بخصوص العديد من النقاط كالشراكة بين القطاعين الخاصّ والعموميّ، ووضعيّة المؤسّسات العموميّة ومراجعة التشريعات الخاصّة بالإستثمار والإصلاح الجبائيّ والتعامل مع الحراك الاجتماعيّ والنقابيّ.
كما كان اسم رئيس حكومة التوافق الذّي فرضته منظّمة الأعراف المفتاح لدخول المنظّمة بكلّ ثقلها في الشأن السياسيّ ولعب دور أكبر في الحياة السياسيّة، وهو ما حوّل المقرّ المركزيّ للاتحاد التونسيّ للصناعة والتجارة إلى قبلة لكلّ السياسيّين قبيل الانتخابات ومحطّة رئيسيّة للسفراء والزائرين الأجانب.
اللاعب الأساسي الثاني في الحوار الوطنيّ كان الاتحاد العام التونسي للشغل الذّي كان في خطّ المواجهة الأوّل ضدّ السلطة منذ عقود، واستمّر في دوره حتّى بعد انتخابات أكتوبر 2011، ممّا جعله عرضة للإتهامات وللهجمات الإعلامية والسياسيّة بسبب ما اعتبره الطرف الحاكم آنذاك انحرافا للمنظّمة النقابيّة عن دورها الأساسي وتحوّلها إلى فاعل سياسيّ ورأس حربة في معركة إسقاط الحكومة. ووصل الإحتقان إلى أقصاه مع الهجوم الذّي تعرّض له المقرّ المركزيّ للإتحاد في ديسمبر من سنة 2012.
وقد عانى الإتحاد العام التونسي للشغل من حملات التشويه والتشكيك في الدور الذّي يلعبه نتيجة انخراطه في الشأن السياسيّ. ولكنّه فرض نفسه كلاعب أساسيّ في المعادلة السياسيّة منذ أن طُرح خيار الحوار الوطنيّ لإيجاد بديل لحكومة عليّ العريّض.
بعد تعيين حكومة مهدي جمعة، وأمام تعاظم نفوذ منظّمة الأعراف، انحسر دور الطرف المقابل وهو الإتحاد العام التونسي للشغل الذّي تمّ تحييده بشكل شبه كلّي عن الشأن السياسيّ وإرهاقه في معارك كثيرة، بالإضافة إلى توريطه في ترشيح رئيس الحكومة الحاليّ، واجدا نفسه “مجبرا” على التحالف مع حكومة كان شريكا في تنصيبها، ومحرجا من أن تفشل هذه الحكومة عند أوّل منعطف حراك نقابي أو احتجاج إجتماعي، بالإضافة إلى المناخ العام الرافض لهذا الحراك في ظلّل سياسى الترهيب الاقتصاديّ و علوية المعركة ضدّ الإرهاب.
اللاعب الأخير الأبرز على طاولة الحوار الوطني كان حزب نداء تونس، الذّي طرح نفسه كبديل لحركة النهضة وحدّد صراعه الأساسيّ معها منذ الإعلان عن تأسيسه. هذا وقد استفاد النداء من التحالف الواسع الذّي سبق انطلاق جلسات الحوار الوطنيّ ضمن ما عرف بجبهة الإنقاذ التي ضمّت الجبهة الشعبيّة وطيفا من الأحزاب المعارضة كحزب آفاق والحزب الجمهوري الذي انسحب لاحقا، وغيرها من الأطياف السياسيّة، بالإضافة إلى تحسّن العلاقة مع الاتحاد العام التونسيّ للشغل وحالة الوفاق مع منظّمة الأعراف. مجمل هذه الظروف وضعت المعسكر الثاني في موقع قوّة أمام خصم خسر الكثير من التأييد الشعبي بعد ارتكابه أخطاءا كارثيّة طوال فترة حكمه. ممّا أسفر في النهاية عن خروج حركة النهضة من الحكم، وإن حافظت نسبيّا على ورقة المجلس الوطني التأسيسيّ، وانحسار دورها أمام تعاظم نفوذ الأطراف المكوّنة للحوار الوطنيّ وإمساكها بزمام الأمور في ما يخصّ تسيير الشأن السياسيّ والمرحلة الانتقاليّة، ممّا خلق ما يشبه المسار الموازي الذّي حيّد إلى حد كبير القنوات الرسميّة و الدستورية لتسيير شؤون الدولة.
انتخابات 2014 وتغيّر المواقع
الانتخابات التشريعيّة التي جرت في السادس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي رسمت مشهدا سياسيّا جديدا انقلبت خلاله موازين القوى من خلال تصدّر حزب نداء تونس للقوى السياسيّة ونيله الأغلبيّة في مجلس النوّاب الجديد. وقد كان من المفروض أن تنتهي مهمّة الحوار الوطنيّ بعد استكمال جميع النقاط الواردة في خريطة الطريق. ولكنّ الإعلان عن استكمال هذا الهيكل السياسيّ لمهامه منذ أسبوعين، طرح العديد من التساؤلات التي تتعلّق خصوصا بمدى دستوريّة هذه الخطوة وجدواها السياسيّة.
وقد تناولت نواة في مقال سابق التجاوز للدستور الذي أقدمت عليه أطراف الحوار الوطني بإعلانها استئناف جلساتها، ولكن الجدوى السياسيّة وطبيعة العلاقات بين مختلف الأطراف المشاركة في الحوار تبقى معطى أساسيّا لفهم دوافع وارتدادات هذه الخطوة.
أهمّ معطى تغيّر إثر الانتخابات، هو تموقع مختلف الأطراف المشاركة في الحوار الوطنيّ من السلطة، ففي شهر أكتوبر من السنة الفارطة كانت حركة النهضة وحلفاؤها يمسكون بزمام الحكم في حين كان المعسكر الثاني الذّي ضمّ منظّمة الأعراف والاتحاد العام التونسي للشغل وجبهة الإنقاذ يمثّل المعارضة التي استطاعت أن تطيح بحكومة الترويكا وتحيّدها طوال ما تبقّى من الفترة الإنتقاليّة.
أمّا اليوم، فإنّ دور الحوار الوطني يشوبه الكثير من الغموض خصوصا وأنّ نداء تونس الذّي سيتولّى تشكيل الحكومة الجديدة وفقا لنتائج الانتخابات التشريعيّة والذّي يراهن بقوّة على منصب رئاسة الجمهوريّة ما يزال يدفع نحو استمرار جلسات الحوار وتعطيل تشكيل الحكومة إلى حين حسم الانتخابات الرئاسيّة رغم رسالة الرئيس المؤقّت محمد منصف المرزوقي التي دعت هذا الأخير إلى عقد جلسة نيابيّة عامّة والبدء في تشكيل حكومة المرحلة القادمة.
هذا وقد وجد حزب النداء دعما من معسكر “المعارضة” سابقا حين رفض رسالة الرئيس المؤقّت القاضية بتعيين رئيس للحكومة قبل الانتخابات الرئاسيّة، وقد لعب الحوار الوطني دورا في ارجاء هذا التعيين عبر تكليف زعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي باقناع المرزوقي بالتراجع عن طلبه ذاك. نفس سياسة التوافقات والرغبة في القفز على القنوات الرسميّة كانت بادية في ما يتعلّق بتعيين رئيس مجلس النوّاب الجديد، عبر التوافق والتشاور قبل الجلسة الانتخابيّة المقرّرة ليوم الخميس 04 ديسمبر 2014.
كما يدخل حزب نداء تونس المرحلة القادمة مستفيدا من التحالف الضمنيّ مع منظّمة الأعراف التي استطاعت، هي الأخرى ، أن تفرض نفسها كلاعب أساسي في المشهد السياسيّ خصوصا مع وجود 25 رجل أعمال من المنظمة صلب مجلس النوّاب الجديد، مع العلم أنّ 60% من نوّاب منظّمة الأعراف ينتمون تنظيميّا إلى حزب نداء تونس.
هذا الترابط بين حزب النداء من جهة ومنظّمة الأعراف من جهة أخرى، ستكون له ارتدادات حتميّة على مواقف الحوار الوطنيّ الذّي يحاول المحافظة على دوره كقناة تقريريّة موازية لسير الحياة السياسيّة، والتي لا يمكن أن تترجم إلاّ بالإتفاف على السلطات الشرعيّة المخوّلة بهذا الدور، وهي مجلس النوّاب والسلطة التنفيذيّة.
أمّا الجبهة الشعبيّة، فما تزال حتّى كتابة هذه الأسطر غير قادرة على حسم موقفها من طبيعة التحالفات القادمة أمام سيل المغازلة السياسيّة من الُمعسكرين المتصارعين على كرسيّ الرئاسة، خصوصا أنّ الحوار الوطنيّ يمنحها مساحة اكبر لمناورة قد لا يوفّرها لها حجمها النيابي المحدود. هذا في الوقت الذي اندفع فيه الاتحاد العام التونسيّ للشغل بحماسة للدفاع عن استئناف الحوار الوطنيّ كإطار توافقيّ يحفظ له دورا سياسيّا مقبولا في المرحلة القادمة وهو المهدّد بمزيد من التراجع لصالح منظّمة الأعراف التي يتعاظم دورها إزاء صمت جميع الأطراف السياسيّة تقريبا إن لم يكن استحسانهم.
حركة النهضة التي بدت مواقفها غامضة تجاه استكمال الحوار الوطنيّ، في سياق متصّل بموقفها “الحياديّ” ظاهريا إزاء مرشّحي الانتخابات الرئاسيّة، ما زالت تنتظر استكمال الصورة وانتهاء الاستحقاق الانتخابيّ لترسم ملامح واضحة لمواقفها وتحالفتها وسياستها في المرحلة القادمة، وهي التي تستعدّ للعب دور المعارضة في المجلس النيابيّ وفي الحوار الوطنيّ إن استقرّ الرأي على استكماله.
المعطى الثانيّ والذّي لا يقلّ أهميّة عن نظيره السياسيّ، هو البُعد اقتصاديّ، فالحوار الوطنيّ الذّي عالج الأزمة السياسيّة السنة الفارطة، انبثقت عنه جلسات للحوار الوطني الاقتصاديّ قصد التعامل مع الملفات الاقتصاديّة العاجلة ومحاولة وضع إستراتيجية لإنقاذ الاقتصاد الوطنيّ الذي تضرّر بشكل كارثيّ خلال السنوات الثلاث الماضية.
هذا وإن حاول الاتحاد العام التونسيّ للشغل الوقوف في وجه ما حاولت منظّمة الأعراف وحكومة مهدي جمعة تمريره خلال الفترة الانتقاليّة من إصلاحات جذريّة خصوصا في ما يتعلّق بالقطاع العموميّ، فإنّ طبيعة المرحلة الجديدة وتغيّر مواقع جميع الأطراف وطبيعة تحالفاتها في ظلّ “الشرعيّة الانتخابيّة” سيحدّ من قدرة الاتحاد على الممانعة إن هو قرر أن يتخذ مواقفا تجاه المشاريع الإقتصادية المطروحة في ظل عدم استعادته لدوره النقابيّ والجماهيريّ.
أمّا منظّمة الأعراف فستكون المستفيدة الأكبر من استكمال جلسات الحوار الوطني الاقتصاديّ في ظلّ التحالف الوثيق مع حركة النداء التي تمتلك مقاليد السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة، ممّا سيسهّل عليها تمرير مشاريعها وإصلاحاتها الاقتصاديّة التي لن تخدم سوى مصالحها القطاعيّة الضيّقة وهو ما عبّرت عنه صراحة وداد بوشمّاوي خلال حفل الاستقبال الذّي نظّمته على شرف نوّاب المنظّمة الجدد حين دعت النوّاب الجدد من رجال الأعمال إلى لعب دورهم في دفع التصويت نحو الاتجاه الذّي يحمي مصالحهم ويخدم أعمالهم عبر تسريع عمليّة المصادقة على مشاريع القوانين المتعلّقة بالشراكة بين القطاعين العام والخاصّ وقانون الصفقات العموميّةومجلّة الاستثمار.
الانتخابات والمسار الموازي
السؤال الأبرز الذّي يدور في أذهان الكثيرين إزاء الحوار الوطنيّ يتمحور حول جدوى الانتخابات والتجييش الذّي شهدته البلاد خلال الفترة الماضيّة إن كانت القرارات السياسيّة والاقتصاديّة الكبرى ستتّخذ في الغرف المغلقة على أساس الصفقات السياسيّة وتبادل المصالح التي تغلّف باسم التوافق و التشاور.
كانت هيبة الدولة أحد الشعارات الكبرى التي طرحها نداء تونس واجترّهتا وراءه مئات الآلاف من الأنصار، إلا أنهم حصروا هذه “الهيبة” في المسألة الأمنية دون غيرها متناسين أنّ الالتزام بمفهوم الدولة يعني عدم الالتفاف على مؤسّساتها الرسميّة والسعيّ لخلق قنوات خلفيّة لتقرير مصير البلاد أيّا كانت الدوافع، وإلاّ فما الحاجة لمجلس نوّاب ورئيس حكومة إن كانت سياسات الدولة تُرسم في الفنادق ومقرّات الأحزاب؟
عزيزي الكاتب، إن كان هناك درس وجب استخلاصه من تجربة الثلاثة سنوات الماضية فهي أنّ العربان والديمقراطية خطّان متوازيان لا يلتقيان وإن التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم. فإن نجحت مصر في إثبات أنّ عند بعض العربان جُعلت الديمقراطية لتداس بجنازير الدبابات وأحذية العسكر وتميّزت كل من سوريا وليبيا في إثبات وترسيخ نظرية “ديمقراطية السلاح والموت والدماء والدموع” فإنّ شعبنا “المسلم ولا يستسلم” قد أثبت هو أيضا أنّ الدساتير جُعلت لتداس بأحذية أصحاب المال والنفوذ وأنّ الشعوب العربانية الجرذانية المتخلفة -كشعبنا- جُعلت لتبيع نفسها لمن يدفع أكثر! لقد انتهت الفسحة يا شعبنا العرباني الذليل! ها قد تسلّم محمد الناصر مطرقة باردو وغدا سيتسلّم الطيب البكوش مفاتيح القصبة قبل أن يتربع قايد الطبابلية على عرش قرطاج -وكلّه بما لا يخالف شرع رباعي الحمار الوطني! فأعدّوا -أيها الرعايا المنافقين المتحذلقين- مؤخّراتكم لعهد جديد من النكاح الشرعي نفتتحه معا من أجل رفع التحديات والعناية الموصولة والنظرة الاستشرافية وتونس الغد. ولتحيا ديموكراسية العربان
المقال موش واضح برشة سي محمد.احتراماتي .