Pauvreté 34

السلطة والأرقام ورهاب الحقيقة

”السبكتروفوبيا“ أو رهاب المرايا، هو ما يمكن أن يشخّص علاقة السلطة العاجزة أو الفاشلة أو الفاسدة بالأرقام والإحصائيات الشفافّة والعلمية. حيث يصبح الواقع الذي تعكسه الأرقام كابوسا للسلطة يدحض البروباغندا والخطابات الشعبويّة، لتسارع غاضبة إلى تغييب مصدره بالعزل والاقالة.

عاملات النظافة: قصص واقعية من التحرش والعنف والاستغلال والوصم الاجتماعي

عادة ما تفاخر تونس بما راكمته من قوانين لفائدة النساء ومكانتهن داخل المجتمع مقارنة بأوضاع النساء في دول شمال افريقيا والشرق الأوسط. برامج ومنظمات ووزارات جعلت من العمل على ادماج النساء في الدورة الاقتصادية شغلها الشاغل، إلا أن ما تعايشه عاملات النظافة من وصم اجتماعي ونظرة ذكورية دونية يكاد يضع كل ما سبق بين قوسين.

في دوار هيشر، الدولة تصم آذانها عن صوت البطون الجائعة

يوم الأحد 26 سبتمبر الماضي، احتشد قرابة ألف شخص من سكان حي دوار هيشر قرب مدخل الحي مساء وأحاطوا بمنسقي حملة ”المفروزين اجتماعيا“ وطرحوا مطالبهم البسيطة: دفاتر علاج لذوي الدخل المحدود، إعانة مالية، الحصول على عمل، تجهيز الوحدة الصحية وتزويدها بالأدوية. بعد يوم من ذلك، حط ركب وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بالحي. يقول أحد المتساكنين إن بعض منسقي حملة المفروزين اجتماعيا طالبوا الوزير بتوفير خمسمائة حقيبة مدرسية لتلاميذ ينتمون لعائلات محدودة الدخل، فردّ باستنكار ”خمسمائة محفظة“؟

نواة في دقيقة: نسب الفقر في تونس

شكّلت نسب الفقر وتوزعها في جغرافيا البلاد التونسية، المحور الرئيسي لتقرير أصدره المعهد الوطني للإحصاء، في 23 سبتمبر 2020. المعهد ارتكز في تحديده لنسبة الفقر داخل معتمديات الجمهورية، على مؤشرين رئيسيين: اقتصادي وتعليمي. وإن لم تسجل خريطة انتشار الفقر ونسبه في تونس تغيرات عميقة مقارنة بالسنة الماضية، إلا أن تواصله وعدم القدرة على حصره أصبح أمرا مؤرقا.

تاريخ حي هلال: كيف صنع الهامش في تونس العاصمة

لا نعرف عن حي هلال عموماً سوى أنه حي شعبي في وسط العاصمة يمثل بؤرة للجريمة وجب تجنب الدخول إليها متناسين أن العنف والانحراف هي نتيجة لسيرورة طويلة و مركبة من العوامل السياسية، الاجتماعية والتاريخية. يعود تاريخ حي هلال، هذا الحي الهامشي، إلى ثلاثينيات القرن العشرين. و منذ ذلك التاريخ وهو يعيش تهميشاً ممنهجاً أوصله إلى الصورة التي هو عليها اليوم، صورة الحي الخطير و الذي يعاني أبناؤه الوصم أينما ذهبوا.

سيدي حسين وهوامشه: الهباط، بائع الملسوقة والبرباش

قد يبدو المشهد مألوفا، أو لنقلها بشكل آخر “للأسف، لقد أصبح المشهد مألوفا”.. المشهد كما رأته الأعين ليس سوى مسحا لعشرات الأمتار المربعة المكتظة بالناس، من بينهم “بياع الملسوقة” وهو ينتصب كصائد للمارة، و”برباش” لم ينقطع عن نوبة سعاله الحادة، وأحد المراهقين بجسم نحيف وأيد فارغة وعلكة دوّارة يقطع الطريق من سوق الخضار نحو مقهى يقبع بدوره حذو مقهى آخر وحانوت لبيع الملابس الجاهزة المستوردة من تركيا ذات السعر الزهيد.

منحة الدولة للعائلات المعوزة: قشّة لن تنقذ الغريق وغطاء لرفع الدعم

أضاف قانون الماليّة لسنة 2019 أكثر من 35 ألف عائلة ضمن قائمة العائلات محدودة الدخل والتّي ستنتفع بمنحة شهريّة تحت باب نفقات التدخّل دون الدعم، ليرتفع عدد العائلات المعوزة في تونس إلى 285 ألف أسرة يقلّ دخلها السنوي الفردي عن 382 دينارا في الوسط البلدي و191 دينارا في الأرياف. وستخصّص الدولة 180 دينارا شهريّا لكل عائلة معوزة. مبلغ زهيد في مناخ إقتصاديّ يمثّل فيه غلاء الأسعار العنوان الأبرز للمرحلة والكابوس اليوميّ للمواطن.

المٌشرّدون، الوجه الأخر للأزمة الاجتماعية

تٌساهم العديد من العوامل في ارتفاع عدد الذين لا مأوى لهم في شوارع تونس، من بينها تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار الإيجار وضعف تدخل الدولة، وقد قُدر عددهم بحوالي 3000 حالة سنة 2014. لقد أصبح وجودهم جليا في الشوارع وبجانب المحطات، وأمام مداخل العمارات، في الحدائق العامة وفي أماكن أخرى. وتمثل هذه الفئة أحد أعراض البؤس الاجتماعي والتهميش المنجر عن قيم المحافظة الاجتماعية.

ريبورتاج في سكرة: عَلى تخوم ”حومة الرئيس“ يسكن الفقر والبعوض

في الطريق من وسط العاصمة إلى منطقة سكرة التي تقع شمالا، يقول سائق الأجرة أن الحراسة مشددة هذا الصباح على مداخل المدينة لأن الرئيس سيذهب للاقتراع هناك. ”مرحبا بسيادة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي“، عُلّقت هذه اللافتة وأخرى أيضا في المدخل المؤدي إلى مركز الاقتراع. يبدو أن الهدوء عاد إلى المكان بعد أن غادره الرئيس، الذي وجد في استقباله بعض أعضاء حزب نداء تونس المصحوبين بأطفال صغار يرددون النشيد الرسمي.

بعد 7 سنوات من انتفاضة 17 ديسمبر: سيدي بوزيد هي الأكثر فقرا وتهميشا

بعد مرور 7 سنوات على انتفاضة 17 ديسمبر 2010، تتجه الأنظار مجددا –على نحو طقوسي- نحو مدينة سيدي بوزيد. هذه المدينة التي اقترن حضورها في الذاكرة الجمعية برمزية الاحتراق التي دفعت نحو إسقاط نظام الحكم الأسبق. رغم أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بسيدي بوزيد لم تتحسن بل ازدادت تراجعا فإن الخطابات الرسمية المتعاقبة مازالت تستهلك تبشيرية الخلاص من الاختلال التنموي. في الأثناء يلوح التهميش كمنظومة متكاملة ومتجددة في هذه المنطقة، تمارس فعاليتها من خلال نسب الفقر والبطالة المرتفعة وظروف العيش المتدهورة (الصحة، التعليم، السكن…)

قراءة في حالة الإنسداد التونسية بين خط السلطة وخط الثروة

الصّراع اليوم في تونس ليس صراعا على السلطة بل هو صراع على الثّروة. وقد نكون نجحنا في السنوات الست الأخيرة في حل مشكل التنازع على السّلطة. لكن استمرار الفقر والبطالة وتفاوت التنمية المرعب بين الجهات على نطاق بهذه الضخامة وبفوارق بهذا العمق يدل دلالة واضحة على أننا قد فشلنا في حل مشكلة التنازع على الثّروة. ومن الواضح بالنسبة إلى البرجوازيّة المتوارية وراء نداء تونس وفي تصوّر من حالفها أيديولوجيًّا أنه من المسموح به تقاسم خطّ السلطة إلى حدود هي ترسمها. وهذا ما يجري بالضبط مع النهضة.

بياض الهوامش: تحت الثلج يسكن الفقر… و التوظيف الإعلامي

بعيدا عن قضية انسداد الطريق الرئيسية في مدينة عين دراهم -التي شكّلت قلب الاهتمام الرسمي والإعلامي- تعيش مدن وقرى في شمال البلاد ووسطها الغربيّين حالة من الانقباض، يعجز خلالها السكان عن التواصل مع العالم الخارجي وتخذلهم الإمكانيات للتزود بالحاجيات الأساسية من طعام وأغطية ووسائل تدفئة. من قرية فج الريح بعين دراهم وصولا إلى ريف السّلّوم بالقصرين يعجز الآلاف من التونسيين عن النفاذ إلى الغذاء والمياه والأدوية والغاز الطبيعي والبترول الأزرق، وتنتشر هنا وهناك مئات الأكواخ التي يكسو الثلج أسقفها القصديرية.

تحقيق- احتساب نسب الفقر : تلاعب بالإحصائيات وطمس للتفاوت الجهوي

في الوقت الذي سارع فيه المعهد الوطني للإحصاء إلى عقد ندوة صحفية قبيل انتهاء سنة 2016، ركّز فيها على تراجع النسبة الوطنية للفقر خصوصا في المناطق الداخلية، كانت تقبع في أروقة نفس المعهد دراسة إحصائية أخرى حول الفقر متعدد الأبعاد في تونس لم يتم الكشف عنها رسميا إلى حد الآن. هذه الدراسة التي تحصّل موقع نواة على نسخة منها، شارك في إنجازها معهد الإحصاء وبعض الوزارات ومنظمات محلية ودولية، توصّلت إلى نسب فقر وطنية تقدر بـ28,97 بالمائة.

دولة الرعاية الإجتماعية في ظل سياسات صندوق النقد الدولي

ذهب كثير من الساسة و الخبراء الاقتصاديين إلى أن المؤسسات المالية الدولية تحـاول فـرض برنـامج إصـلاح هـيكلي مدمر للاقتصـاد التـونسي له تبعات اجتماعيّة خطيرة على مستوى عيش المواطنين يقضي بإلغــاء صـندوق الدعـم في ظرف 3 سـنوات والتـرفيع في الضـغط الجبائي إضـافة إلى مراجـعة صنـاديق الجـراية وصنـاديق التـغطية الاجتـماعيّة و رعاية الفئات الفقيرة.

ديسمبر 2010- ديسمبر 2015: مثلّث الفقر والتهميش

رغم سيل الوعود التي أطلقتها مختلف الحكومات، بدأ بمحمد الغنوشي، مرورا بحكومة الباجي قايد السبسي ومن ثمّ الترويكا ومهدي جمعة وأخيرا حكومة الحبيب الصيد ، إلاّ أنّ المؤشّرات المحيّنة لسنة 2015 كشفت أنّ هذه الولايات التّي ظلّت خارج الحسابات التنمويّة للحكومات المتعاقبة رغم دورها الرياديّ في الاحتجاجات.

التهريب في تونس والمعالجة الأمنية: البتر لن يوقف النزيف الاقتصاديّ

إلى أيّ حد يمثّل التهريب خطرا على الاقتصاد التونسيّ وهل يرتبط كما جاء في الرواية الرسميّة بالإرهاب؟ وهل تمثّل منطقة الذهيبة بؤرة خطيرة لأعمال التهريب ونزيفا قاتلا للاقتصاد الوطنيّ؟ أخيرا، هل كان الخيار الأمنيّ هو الحلّ الأمثل في مواجهة أهالي الذهيبة التّي تتذيّل قائمة المناطق الأشدّ فقرا وتهميشا في البلاد؟

اقتصاد 2014: سنة الخوف وهاجس الجوع والسلطة

كانت سنة 2014 سنة الحروب الباردة بامتياز. فالشارع تعرّض خلال الثلاث سنوات الماضية إلى الاستنزاف والتلاعب والضغط على مختلف الأطراف السياسيّة في الحكم كانت أو في المعارضة. أمّا بعد إسقاط الترويكا وتنصيب حكومة مهدي جمعة “التوافقيّة” تحوّلت الصراعات السياسيّة وحروب تثبيت المواقع إلى الكواليس ليُغيّب الشارع تماما عن مسار الأمتار الأخيرة للمرحلة الإنتقاليّة تحت ضغط الترهيب الإقتصاديّ وهاجس الحرب على الإرهاب. تمضي سنة 2014، مخلّفة أضرارا كبيرة على جيب المواطن التونسيّ ومستوى معيشته، وبعد هرسلة ومناخ عام كانت سمته الأولى الخوف من حاضر مضطرب ومتسارع ومستقبل ضبابيّ في خضّم معارك سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة يبدو أنّها ستكون العنوان الأبرز للسنة القادمة.