مع اقتراب منعرج رئاسيات 2024، كثفت الشعبوية من اعتماد الزيارات الفجائية. زيارات كشف تكرارها بمضامين هزيلة خدمتها لصورة البطل الخارق، ليقتدي المريدون بنهجه المشهدي.

مع اقتراب منعرج رئاسيات 2024، كثفت الشعبوية من اعتماد الزيارات الفجائية. زيارات كشف تكرارها بمضامين هزيلة خدمتها لصورة البطل الخارق، ليقتدي المريدون بنهجه المشهدي.
”السبكتروفوبيا“ أو رهاب المرايا، هو ما يمكن أن يشخّص علاقة السلطة العاجزة أو الفاشلة أو الفاسدة بالأرقام والإحصائيات الشفافّة والعلمية. حيث يصبح الواقع الذي تعكسه الأرقام كابوسا للسلطة يدحض البروباغندا والخطابات الشعبويّة، لتسارع غاضبة إلى تغييب مصدره بالعزل والاقالة.
نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة التونسية بعد اجتماع مجلس الوزراء في 21 مارس 2024، منشورا لتذكير التونسيّين بإنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. إنجازات تبدو ماثلة فقط في أذهان رئيس الحكومة وفريقه ومنفصلة تماما عن واقع التونسيّين المرير وما تعكسه مختلف المؤشرات الاقتصاديّة والمالية من حاضر قاتم ومستقبل مجهول.
من أقصى الجنوب إلى قلب العاصمة، يواصل الرئيس زياراته الفجائية في العشر الأوائل، متفوقا على الإنتاج التلفزي الرمضاني في نسب المشاهدة وفي تصدر مشهد لا ينازعه في بطولته أحد.
قبل انتخابه وانطلاق اشغاله في 13 مارس من العام الماضي، لم يُعلق المتابعون للشأن العام على مجلس النواب الجديد آمالا كبيرة. وفعلا مجلس نواب الشعب لم يخيب هذه الانتظارات وظهر كمجرد ”وظيفة“ تشريعية، انتجتها إحدى أكثر الانتخابات ضعفا من حيث نسب المشاركة، وذلك لاضفاء شرعية ”الديمقراطية“ في النظام السياسي الجديد، وظيفتها الوحيدة تزكية كل ما يأتيها من الرئاسة.
تسميات واقالات، تمديد وراء التمديد وتنقيح يلي التنقيح ولم تحصل لجنة الصلح الجزائي مليارات المليارات التي بشر بها الرئيس. فشل لم تفلح الشعبوية في اخفائه رغم بحثها عن أكباش فداء جدد سنة الانتخابات الرئاسية.
بعد سنتين من تنصيب المجلس التشريعي، بقيت مبادراته التشريعية محدودة لم تمسّ جوهر الحقوق والحريات، إذ كان من المنتظر مراجعة التشريعات الزجرية وتعزيز منظومة الحقوق والحريات وتسجيل مواقف إزاء القضايا العادلة، إلا أنّه فضل الاختباء وراء ظلّ قصر قرطاج.
تجمع الآلاف من أنصار الاتحاد العام التونسي للشغل، صباح السبت 2 مارس في ساحة القصبة بتونس العاصمة، استجابة لدعوة القيادة النقابية في حشد مناصريها ردا على محاولات السلطة في ضرب العمل النقابي وتحجيم دور المنظمة الشغيلة. تجمع عمالي ألقى خلاله الأمين العام نور الدين الطبوبي كلمة نبه فيها من مغبة استهداف المنظمة، مؤكدا تمسك الاتحاد بأدواره النقابية والوطنية في فترة تشهد انغلاقا سياسيا و ضربا للحقوق النقابية.
بدت لحظة 7 أكتوبر 2023 وما تلاها من عدوان همجي ووحشي على الشعب الفلسطيني، فرصة تاريخية ليصبح تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني واقعا ونصّا قانونيّا مُعتمدا. إلاّ أنّ الأيام كشفت كيف التفّت السلطة على هذا المطلب الشعبي الذي استغلّه الرئيس قيس سعيّد خلال حملته الانتخابية وإبّان الأيّام الأولى للعدوان على غزّة.
حدث وراء آخر وفرقعات إعلامية هنا وهناك لم تنجح على تنوعها في طرد كابوس ليلة 2 نوفمبر الشهيرة، ليلة الهروب البرلماني المذل من جلسة التصويت على مشروع قانون تجريم التطبيع وما أحوجنا لتجريمه مع الابارتايد والاستبداد.
تعتمد الحكومة في تونس على حالات الشغور في تركيبة الهيئات الوطنية المستقلّة كسلاح لتكبيل نشاطها. وتُبرز أربع أمثلة لهيئات وطنية عجزت عن تنفيذ مهامها، أنّ سياسة عدم تعيين أو انتخاب أعضاء أو رؤساء جدد في تلك الهيئات متعمّدة.
لم يكن تولّي الجيش القيام بأشغال تهيئة المسبح البلدي في ساحة باستور في 16 فيفري 2024، سوى امتدادا لسياسة لم يبتدعها رئيس الجمهورية قيس سعيّد وإن تكثّفت في عهده. إذ استدعى مختلف حكّام تونس منذ جانفي 2011 الجيش لتعويض قصور الإدارة المدنية أو الوزارة أو استكمال المشاريع المعطّلة. هروب إلى الأمام يعكس عجزا عن الإصلاح أو التوجّه إلى الأسباب الحقيقية وراء تدهور أداء مختلف أجهزة الدولة والتي فاقمت من معاناة المواطنين في مختلف القطاعات.
منذ 25 جويلية 2021، مر على تونس استفتاء وانتخابات تشريعية وأخرى للمجالس المحلية. محطات شهدت اشكالات كبيرة على غرار الضعف الفادح لنسب المشاركة، خاصة في الانتخابات التشريعية والمحلية، بالإضافة إلى مقاطعة طيف واسع من قوى المعارضة لمجمل هذه الاستحقاقات. واقع أفرز تركيبة برلمانية (في انتظار تركيز مجلس الجهات والأقاليم) تفتقر إلى التعددية والتنوع وتوصف بأنها موالية لرئيس الجمهورية بالكامل.
قضايا التآمر على أمن الدولة كانت أبرز ملف واجه به نظام قيس سعيد خصومه السياسيين. منذ فيفري 2023 والاعتقالات في قضايا التآمر لم تتوقف، لتتحول جهود المعارضة من التظاهر ”لإسقاط النظام“ إلى المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
بعد إعلان هيئة الانتخابات مساء 5 فيفري 2024 – بحرجها المهذب المعتاد – بلوغ نسبة الاقبال عتبة الرقمين (في حدود 12 بالمائة) للدور الثاني من انتخابات المجالس المحلية، ذهبت أغلب ردود الفعل والتعاليق السياسية إلى اعتبار هذه النسبة دليلا آخر على افلاس مشروع الرئيس قيس سعيد السياسي وافتقاده لعمق شعبي جماهيري لطالما اعتبره سعيد نفسه سنده الوحيد، في ساحة يعلو فيها ”فحيح الأفاعي“ المتربصة بمسار صعود تونس نحو ”العلو الشاهق“ المنشود.
اثارت التصريحات الأخيرة لعدد من السياسيين والمحامين بفتح تحقيق جديد فيما يُعرف بقضية التآمر على أمن الدولة جدلا واسعا في تونس، ورغم نفي النيابة فتح أي بحث جديد ضد أشخاص بينهم أجانب، الا أن السلطة بقيت متهمة بفبركة قضايا التآمر عبر قضائها استهدافا للخصوم السياسيين.
في مستهل سنة الانتخابات الرئاسية، إن شاء الرئيس، يحتدم التنافس بين قيس سعيد الرئيس الحالي وقيس سعيد المرشح للرئاسة. واقع ترجمه سجن وتتبع القضاء المستقل لكل من سولت له نفسه، الأمارة بالسوء، المنافسة على كرسي العرش.
بعد أربع اجتماعات داخل اللجنة، وصل مشروع تنقيح مرسوم الصلح الجزائي إلى آخر مراحل مساره التشريعي، من خلال التصويت على فصوله داخل الجلسة العامّة. الهدف من الصلح الجزائي في نسخته المعدّلة هو تيسير إجراءات استرداد الأموال التي اكتُسبت بطريقة غير مشروعة، لكن الصعوبات التقنية بقيت على حالها.