يستعدّ الرئيس المؤقّت لمغادرة المنصب الذّي أثار الكثير من الجدل طوال ثلاث سنوات، وقد أحدث فيه بلا ريب تغييرات كبرى انعكست على الصورة النمطية لمنصب رئيس الجمهوريّة وفتّتت إلى الأبد صنم الرئيس المُهاب في أذهان التونسيّين. فما كان ثمن بقاء المرزوقي رئيسا للجمهوريّة ؟ وكيف كانت مواقفه، ومن وراءه حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة، من المحطّات السياسيّة الكبرى التي عرفتها البلاد طيلة مكوثه في القصر ؟ وهل كان حزب المؤتمر ورئيسه الحقوقيّ أوفياء للشعارات والمبادئ التي تأسّس عليها حزبهم؟
قبل فترة ليست بالبعيدة، بعد 14 جانفي 2011 إلى حدود شهر فيفري 2014، كانت الساحة الإعلامية والسياسيّة في تونس تعجّ بالبيانات والتصريحات والتحرّكات الإحتجاجيّة التي كانت تصطاد أي هفوة حكوميّة وتسعى لتحميل الجميع المسئوليّة وتملأ المنابر بالتحليلات والتنظير وإلقاء التهم، في معركة انخرطت فيها جميع الأحزاب دون استثناء حسب تموقعها من السلطة، بل وكانت المنظّمات المدنيّة والنقابيّة جزءا منها وفاعلا أساسيّا فيها، حتّى كان الحوار الوطني ونُصّب السيّد مهدي جمعة رئيسا للحكومة الانتقاليّة الجديدة.
لقد كان حضوري يوم 30 افريل 2014 بمقر المجلس الوطني التاسيسي وبدعوة من احدى لجانه وهي لجنة شهداء وجرحى الثورة مناسبة لا فقط للمشاركة مع تسعة من الخبراء في القانون بابداء الراي في مشروع قانون اساسي يتعلق باحداث دوائر قضائية متخصصة للنظر في قضايا شهداء و جرحى الثورة بل كان مناسبة ايضا للوقوف على تعدد الخيارات في هذا الشان بقدر تعدد الاتجاهات.
قبل المرافعة شدد القائمون بالحق الشخصي على ضرورة توفر شروط المحاكمة العادلة للمتهمين في قنص 317 شهيدا في مختلف الجهات الذين قضوا نحبهم بأمر من بن علي شخصيا، حسب شهادة محمد الغنوشي نفسه بمحكمة الكاف بعد أن تم تشكيل خلية أزمة بُرِئَ أعضائها من القيادات الأمنية التي أمرت بالقتل ووفرت الذخيرة ودفعت بالتعزيزات إلى تالة والقصرين .
كلام شارع فقرة تسعى الى تشريك المواطن بكل تلقائية عبر ترك مجال له كي يعبر عن ارائه و تفاعلاته مع القضايا المطروحة على الساحة الوطنية في مختلف الميادين. رصدنا لكم هذه المرّة تفاعل المواطن التونسي مع الأحكام الصادرة عن محكمة الإستئناف العسكرية في قضايا الشهداء الثورة.
تم اليوم 17 أفريل 2014 اللقاء بين السيد رئيس الجمهوريّة و ممثلي هيئة الدفاع الأستاذ عمر الصفراوي و الأستاذة ليلی الحداد و اللذان تقدما بجملة من المقترحات تتلخص في حصر اختصاص القضاء العسكري في الشأن العسكري فقط و إحالة جميع الملفات المنشورة حاليا علی حالتها أمام القضاء المدني و تجنب مقترح إحداث دوائر أو هيأت متخصصة لقضايا شهداء و جرحی الثورة وبالنسبة للتدابير العاجلة اتخاذ الإجراءات الكفيلة للتصدي للإفلات من العقاب و ضمان تنفيذ العقوبة و سيعلن السيد رئيس الجمهوريّة قراراته في خطاب يوجهه للشعب التونسي غدا 18 افريل
جاء قرار محكمة الإستئناف العسكرية القاضي بسجن متهمين في قضايا شهداء وجرح الثورة لمدة تترواح بين 3 و5 سنوات صادما لأغلب الأحزاب المكوّنة للمجلس الوطني التّأسيسي. وقد اعتبر أغلب أعضاء المجلس أنفسهم مسؤولين عن نتيجة تمشي القضاء العسكري نظرا لإهمالهم لمتابعة قضايا الشهداء والجرحى عن كثب وبصفة متواصلة. وفي إطار سعيهم لتدارك ما فاتهم بخصوص تفاعلهم مع قضايا شهداء وجرحى الثورة، قامت لجنة التشريع العام بإعادة النظر في مشروع قانون كانت قد تقدمت به حركة وفاء يوم 17 جويلية 2012. وينص هذا المشروع على سحب قضايا شهداء وجرحى الثورة من القضاء العسكري وتحويل النظر فيها إلى القضاء المدني من خلال تشكيل مؤسسات عسكرية مختصّة للغرض.
أكّد النائب عن حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي خلال ندوة صحفيّة نظّمها عدد من الأحزاب من بينها حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة أنّ المحكمة العسكرية تعمّدت تأمين إفلات رموز نظام بن علي من العقاب في ما يخصّ مشاركتهم في قتل مواطنين تونسيين وجرح اخرين إبان ثورة 14 جانفي 2011.
ماذا لو حدث وعاد الشهداء إلى الحياة لساعة فجالوا في طرقات البلاد وتحدّثوا إلى النّاس عن أحوالها وما آلت إليه الأمور. سيسمعون من النّاس أنّ تونس عرفت انتفاضة منذ 3 سنوات أجبرت ثاني حكّامها منذ سنة 1956 على مغادرة البلاد وأنّ حلما بالحريّة والاستقلاليّة والسيادة الوطنيّة قد راودنا ذات شتاء، وسنحدّثهم عن محمد وأمثاله الذين كانوا أبطال شتاء لم تعرفه تونس من قبل.
دخلت تونس في العام الثالث منذ اندلاع الثورة. ولئن كانت سنة 2013 قد حملت لنا الاغتيالات والإرهاب والفرقة السياسية فإنها قد عمّقت مأساة قضية شهداء وجرحى الثورة التونسية. ملفات أغلقت بالجملة لدى القضاء العسكري تحت عنوان “عدم معرفة الجناة” وأخرى أصدرت فيها أحكام زادت من إحباط عزيمة المجتمع المدني وعائلات الشهداء، وجرحى لم يخضعوا إلى هذه اللحظة إلى الفحص الطبي.
مسلم قصد الله، شاب في الرابعة والعشرون من عمره، جريح الثورة التونسية 2011، تم بتر ساقه اليمنى سنة 2012، قضى شهر جويلية 2013 في مستشفى الرازي بمنوبة و حاول خلالها الإنتحار.
زرنا جريح الثورة حسني قلعية أصيل مدينة القصرين يوم 14 جانفي 2013 رفقة عصام عمري شقيق الشهيد محمد عمري من تالة الذي حاورناه حول إنطباعه إزاء المظاهر الإحتفالية في شارع الحبيب بورقيبة يومها، مع بروز تدافع سياسي رُفعت خلاله أعلام الأحزاب و ظهرفيه نادرا علم تونس رغم طبيعة المناسبة التي كان من المفترض أنّ تُوحّد الفرقاء على أرضية وطنية مشتركة, كما تنقّلنا يوم 15 جانفي 2013 مدينة القصرين و حاورنا أنور السعداوي شقيق الشهيد وليد السعداوي حول تقييمه لواقع الحال.
جريح الثورة زيّاد القراوي البالغ من العمر 23 سنة أُصيب يوم 9 جانفي 2011 في مدينة الرقاب بولاية سيدي بوزيد على مستوى ركبته اليمنى برصاصة أطلقها عليه عنصر من وحدات التدخّل، إثر ذلك أجريت له عملية جراحية يوم 6 أكتوبر 2011 على مستوى الإصابة.
دعت الجمعيّة الوطنية للدفاع عن حقوق الشهداء و الجرحى”لن ننساكم” إلى وقفة إحتجاجية أمام المحكمة العسكرية بباب سعدون في العاصمة التونسية يوم الجمعة 07 ديسمبر 2012 تجسيدا لسؤال طرحه الطفل يوسف إبن الشهيد سفيان بن جمالة :”بابا شكون قتلوا” ؟
التقينا بالأستاذ توفيق بودربالة رئيس لجنة تقصي الحقائق حول الأحداث الأخيرة و التجاوزات على هامش ندوة، بعين دراهم، نظمتها جمعية المواطنة و التنمية بالشمال الغربي بالتعاون مع جمعية منتدى المواطنة و الحكامة بسوسة، حول العدالة الإنتقالية. فكان لنا معه الحوار التالي
هذه المرّة المناورة لم تخل من دهاء كبير. لقد استعملت الحكومة الهديّة التّي يصعب ردّها و اختارت توظيف المقدّس الديني و هشاشة نفسية بعض عائلات الضحايا لتمرير مخططّها و عدم قدرة بعضهم الآخر على فهم خلفيات و أبعاد هذا الفخّ السّياسي و نجحت في تفريق موقفهم و اقتلاع إدانة البعض لهم. ما لا تعلمه حكومة الجبالي أن مناورتها لن تصمد، فعائلات الشّهداء جميعها الحاجّون منهم و رافضي الحج ا